كثيرا من هذه الكتب وعلق عليها بخط يده، تتواتر المصادر في أخبارها أنه إلى قرطبة وغرناطة وإشبيلية وطليطلة ومالقة وغيرها من المدن الأندلسية في عصر بني أمية كانت تتجه وفود طلاب العلم من بعض البلاد الأوربية للتزود بالعلوم، وتتجه وفود العواهل الأوربيين في طلب الأدوية أو أدوات الترف والزينة، وحتى أدوات الموسيقى والغناء. وكان الأغنياء في البلاد الأوربية المجاورة يفاخرون بما يقتنونه من المنسوجات والمصنوعات المعدنية الأندلسية التي لا يجدون مثلها في بلادهم. والحديث في ذلك الميدان يطول وسيجد القارئ تفصيلات أكثر في البحث.
خامسا: كان من الضروري التنويه بالدور الخطير الذي قام به الأمويون في ازدهار الحضارة العربية الإسلامية على أرض الأندلس ونقلها إلى بقية دول أوربا. فالمصادر التي أرخت للأمراء والخلفاء الأمويين الأندلسيين أجمعت على أن معظمهم كانوا واسعي الثقافة محبين للعلم والعلماء، والناس على دين ملوكهم، فلولا تشجيع الأمويين للحركة العلمية في الأندلس لما بلغت ما بلغته من ازدهار وتوهج، ومما هو جدير بالذكر أن الأمويين في الأندلس رغم انفصالهم السياسي عن الدولة العباسية في المشرق بل رغم العداء الذي استمر بينهم إلى النهاية إلا أنهم لم ينفصلوا عن المشرق حضاريّا، بل كانوا يعدون أنفسهم لمنافسة خلفاء بغداد في مجال الاحتفاء بالعلم والعلماء ولقد اجتهدوا في أن يجعلوا عاصمتهم قرطبة ندّا لبغداد في النظافة والمرافق العامة.
ولقد كان الأمويون في الأندلس متابعين جيدين للحركة العلمية في المشرق بصفة عامة وفي بغداد بصفة خاصة، وكان لهم وكلاء مقيمون إقامة دائمة في المشرق للاطلاع على كل جديد وإرساله إلى قرطبة وكثير من مؤلفات المشرقيين كانت تعرف طريقها إلى قرطبة قبل أن تقرأ في بغداد نفسها، ومشهورة قصة كتاب «الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني» الذي وصل إلى الخليفة الحكم المستنصر في قرطبة ودفع فيه ألف دينار ذهبا قبل أن يطلع عليه أحد في موطنه الأصلي في بغداد. وهذا العاهل الأندلسي كان مولعا بجمع الكتب حتى من قبل أن يلي الخلافة، وتروي المصادر أنه جمع من الكتب وحده ما يضاهي ما جمعه خلفاء بني العباس مجتمعين. ولقد حذت الطبقة الأرستقراطية في قرطبة وغيرها حذو عاهلها العالم في جمع الكتب في قصورها، بل يقال: لا يكاد يخلو بيت في قرطبة من مكتبة