خطبتها على ابني، فإن رأيت أن تسعفني بحاجتي فعلت، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. واستهداه أيضا- أي: طلب منه- طيبا وسرداقا من سرداقاته فأمر الرشيد بطلب الجارية فأحضرت، وزينت وأجلست على سرير في مضربه الذي كان نازلا فيه، وبعث إليه بما سأل من العطور، وبعث إليه من التمور والأخبصة والزبيب والترياق. فسلّم ذلك كله إليه رسل الرشيد، فأعطاهم نقفور وقر دراهم إسلامية، على برذون كميت كان مبلغه خمسين ألف درهم، ومائة ثوب ديباج، ومائتي ثوب بزيون، واثني عشر بازيا، وأربعة كلاب من كلاب الصيد، وثلاثة براذين» [1] .
هذا أنموذج رائع على حسن العلاقات بين الخليفة والإمبراطور، فتبادل الرسائل الودية والهدايا والطرف بينهما، بعد التوتر الذي ساد علاقاتهما في البداية دليل ناصع على رغبة كل منهما في السلام، وفتح صفحة جديدة من العلاقات الودية وحسن الجوار، ومن اللافت للنظر أن:
1- رسالة الإمبراطور على الرغم من قصرها كانت ودية وقد بدأها بالسلام، وهذه تحية المسلمين بعضهم لبعض، وهذا أمر له دلالته، ولم يكتب اعتباطا، بل يستشف منه الاحترام والتقدير للخليفة.
2- أن الخليفة استقبل الوفد الإمبراطوري استقبالا يليق بمقام مرسله، وأجاب كل طلباته، بل زاد عليها من التحف والطرف العربية.
3- وزيادة في التكريم وإظهار الود نحو الإمبراطور، أمر هارون الرشيد بتزيين الجارية وجلوسها في جناحه الخاص الذي يجلس فيه قبل سفرها إلى خطيبها، ابن الإمبراطور، وهذه لفتة كريمة تستحق التنويه.
4- وفوق هذا كله فإن هارون الرشيد لم يرسل الجارية والهدايا وطلبات الإمبراطور مع الوفد الذي حضر من القسطنطينية، وإنما تصرف تصرفا يليق بالملوك، فقد أرسل كل هذا مع وفد خاص من قبله.
5- أن الوفد الإسلامي عند ما وصل إلى القسطنطينية استقبله الإمبراطور على الفور، وأظهر سروره بإجابة الخليفة لمطالبه وحملهم بالهدايا العظيمة التي مر ذكرها.
ومما يجدر ذكره في هذه المناسبة أن سجلات البروتوكول البيزنطي حافلة [1] تاريخ الطبري (8/ 321) ، وابن الأثير- الكامل في التاريخ (6/ 134) .