في هذا المجال تملأ المصادر التاريخية، الإسلامية والبيزنطية على السواء.
* تبادل الوفود لعقد معاهدات الصلح:
من المعروف أنه في تلك العصور التي نتحدث عنها لم يكن هناك تمثيل دبلوماسي دائم بين الدول، أي لم تكن هناك بعثات دبلوماسية لها مقرات دائمة- سفارات أو قنصليات- وإنما كانت الدول تتبادل الوفود والبعثات عند الحاجة، وكذلك كان الحال بين الدولتين الإسلامية والبيزنطية فقد قامت علاقاتهما على أسس راسخة، وتقاليد ثابتة، من حيث اختيار السفراء والمبعوثين، من ذوي الثقافة العالية والكفاءة واللباقة وقوة الشخصية والقدرة على التأثير، إلى جانب الفطنة والذكاء وقوة الحافظة، ومن حيث نظام استقبالهم على قدر مكانتهم في بلدهم- وتسهيل مهماتهم- ورعاية حقوقهم، وتوفير الحصانة لهم وضمان عودتهم إلى بلادهم سالمين [1] .
وكانت المهمات الرئيسية لتبادل الوفود والبعثات الرسمية بين الدولتين- الإسلامية والبيزنطية- التفاوض من أجل عقد معاهدات الصلح أو تبادل الأسرى، وكانت تأتي بعثات من كلا الجانبين إلى الآخر لمجرد المجاملة.
ولقد عرف تاريخ العلاقات الإسلامية البيزنطية تبادل الوفود منذ وقت مبكر، فقد عرفنا أن الرسول صلّى الله عليه وسلم قد أرسل وفدا يحمل رسالته إلى هرقل وكان رئيس ذلك الوفد الصحابي الجليل دحية بن خليفة الكلبي والمصادر وتتحدث عن أكثر من رسالة من النبي إلى هرقل، كما أن الطبري يحدثنا عن وفد أرسله عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الإمبراطور هرقل وكان يحمل بعض الهدايا [2] لكن أول معاهدة صلح تحدثنا عنها المصادر تلك التي أبرمها معهم معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما سنة (60 هـ/ 680 م) ، في آخر سنة من حياته، وكانت مدتها ثلاثين عاما [3] ؛ الأمر الذي يدل على الرغبة في استمرار السلام، فالدولتان اللتان تعقدان معاهدة صلح مداها ثلاثون عاما لا يمكن أن تكونا راغبتين في الحرب. [1] راجع في ذلك كتاب (رسل الملوك) لابن الفراء- تحقيق د. صلاح الدين المنجد- القاهرة سنة (1947 م) . [2] سنشير إلى هذا الوفد فيما بعد عند الحديث عن تبادل الهدايا. [3] د. محمد فتحي عثمان- الحدود الإسلامية البيزنطية (1/ 394) . دار الكتاب العربي القاهرة سنة (1966 م) .