عدم احترامها ونقضها عند أول فرصة يتصور القوي أنه قادر على فرض إرادته على الضعيف، أما الإسلام فلا يفعل ذلك أبدا؛ لأن العهد الذي يرتبط به المسلم مع غيره لا يرتبط به مع البشر فقط، إنما مع خالقه سبحانه وتعالى، فهو مسؤول عنه أمام الله، والله كفيله على ذلك وشهيد، يقول تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا [النحل: 91] فالالتزام بالعهد من وجهة نظر الإسلام في مجال العلاقات الدولية ليس مبدأ أخلاقيّا فحسب، إنما هو واجب ديني يلتزم به المسلم حتى لو أصابه من جراء ذلك الضرر، وهل هناك ضرر أكبر من أن تتعرض فئة مسلمة لعدوان دولة أجنبية، فتطلب تلك الفئة من الدولة الإسلامية أن تعينها وتنصرها، ولكن الدولة الإسلامية لا تستطيع أن تفعل ذلك، لا لشيء إلا أنها قد ارتبطت مع تلك الدولة الأجنبية بعهد سابق، ويقول الله تعالى: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ [الأنفال: 72] .
لا نريد أن نسترسل في إيراد النصوص فهي كثيرة في هذا الباب، والواقع العملي في عهد الرسول وخلفائه يؤكد ذلك ويدعمه.
ومع ذلك فقد بدأت الحروب على نطاق واسع- بعد وفاة الرسول- بين المسلمين والبيزنطيين، واستطاع المسلمون أن يفتحوا الشام ومصر، وبدأت جيوشهم التوغل في شمال أفريقيا، فما السبب في ذلك؟
الأمر المؤكد أن الإمبراطور هرقل لم يقبل دعوة النبي صلّى الله عليه وسلم للدخول في الإسلام، والأمر المؤكد كذلك أن النبي لم يتخذ أي إجراء كرد فعل لرفض هرقل الدخول في الإسلام، هو وقومه.
والشيء المؤكد- مرة ثالثة- أن البيزنطيين اعتدوا على المسلمين فيما عرف بغزوة مؤتة سنة (8 هـ/ 629 م) اعتداء سافرا دون مبرر وقد عدّ هذا العدوان بمثابة إعلان حرب على الإسلام والمسلمين، وهذا هو السبب الرئيسي في نشوب الحرب بين الفريقين؛ لأن عدوان الروم تكرر كثيرا بعد ذلك، بل حاولوا الاعتداء على المسلمين داخل شبه الجزيرة العربية، مما جعل الرسول صلّى الله عليه وسلم يغزوهم بنفسه فيما عرف بغزوة تبوك سنة (9 هـ/ 630 م) ولما انسحبوا أمامه هاربين إلى داخل الشام لم يلاحقهم لإلحاق الهزيمة بهم. بل بقي في تبوك ولم يتجاوز حدود شبه جزيرة العرب، ولم يدخل