تبادل الوفود والهدايا بين خلفاء المسلمين والأباطرة البيزنطيين «1»
* مقدمة:
ما أحوج عالمنا المعاصر، الذي يموج بالفتن والاضطرابات والحروب الإقليمية، والذي تنتشر المجاعات والأوبئة في كثير من أجزائه، خاصة فيما يسمى بالعالم الثالث، بل وبعض ما كان يسمى بالعالم الثاني، ما أحوج هذا العالم إلى أن تسوده روح الأخوة الإنسانية والتسامح، ونبذ التعصب، وإلى أن تشيع فيه روح الإيثار بدل الأثرة والأنانية، وأن يحل مشكلاته بالحوار والتفاهم، بدل الحروب المدمرة، التي تستنزف موارده، خاصة في الدول الفقيرة، وأن تخصص نفقات تلك الحروب لإطعام الجائعين، الذين يقتلهم الجوع، وعلاج المرضى الذين تفتك بهم الأوبئة والأمراض، وكل أولئك وهؤلاء يعدون بمئات الملايين من البشر.
وليس هناك ما يمكن أن يسهم إسهاما إيجابيّا في تحقيق تلك الغايات الإنسانية النبيلة سوى مبادئ الأديان السماوية السمحة، التي تحض على الأخوة الإنسانية، وتقوية الروابط بين الإنسان وأخيه الإنسان، من حيث هو إنسان، بصرف النظر عن دينه ولغته وجنسه. فلا شك أن بين الأديان السماوية- اليهودية والمسيحية والإسلام- قدرا مشتركا من الأصول المتفق عليها فيما يتعلق بكرامة الإنسان من حيث هو إنسان، أقصد أصول الأديان ونصوصها المقدسة، لا التفسيرات التي تجنح إلى التعصب والتمييز العنصري والديني وبث الفرقة بين أبناء آدم.
وليس أنجع في تحقيق كل ذلك من الندوات واللقاآت التي تجمع بين أبناء تلك الديانات، وإجراء حوار أخوي إنساني متسامح، وبعث الصفحات المشرقة في تاريخ علاقاتهم، لتنمية روح التسامح والأخوة الإنسانية، والتغاضي عما حدث في الماضي البعيد من حروب وصراعات، والتخلص من نزعة الثأر والانتقام، فالتسامح هو أعظم ما أهدته الأديان السماوية للبشرية.
(1) ألقي هذا البحث في الندوة العلمية التي عقدت في رحاب جامعة فلورنسا بإيطاليا، بالاشتراك مع جامعة الأزهر في شهر المحرم (1418 هـ/ مايو 1997 م) تحت عنوان «الإسلام وأوربا ثلاثة عشر قرنا من التاريخ المشترك» .