أشراف من معكم يخبرنا عنكم، ونسائله عن دينكم» [1] .
اختار قتيبة عشرة- وقيل: اثني عشر- من خيرة رجاله، برئاسة هبيرة بن المشمرج الكلابي، وأرسلهم إلى ملك الصين، ويقص الطبري خبر تلك السفارة الإسلامية إلى بلاط ملك الصين في حديث طويل، ونكتفي منه بما انتهى إليه الحوار، حيث قال ملك الصين للوفد المسلم في أسلوب تغلب عليه نبرة التهديد:
انصرفوا إلى صاحبكم، فقولوا له: ينصرف عن بلادنا، فإني قد عرفت حرصه وقلة أصحابه، وإلا بعثت عليكم من يهلككم ويهلكه فرد عليه رئيس الوفد، في شجاعة وعزة المؤمن: أيها الملك كيف يكون قليل الأصحاب من أول خيله في بلادك وآخرها في منابت الزيتون، وكيف يكون حريصا من خلّف الدنيا وراءه قادرا عليها وغزاك في بلادك، وأما تخويفك إيانا فإن لنا آجالا إذا حضرت وأكرمها الله بالقتل فلسنا نكرههه ولا نخافه [2] .
أعادت هذه المقالة ملك الصين إلى صوابه، وأيقن أنه أمام قوم لا يجدي معهم التهديد ولا الوعيد، فاعتدل في كلامه، وقال لهبيرة في نبرة جديدة غير نبرة التعالي الأولى: فما الذي يرضي صاحبكم؟ قال هبيرة: إنه حلف ألا ينصرف عن بلادكم حتى يطأ أرضكم ويختم ملوككم، ويعطى- أي: يأخذ منكم- الجزية. قال الملك: فإنا نخرجه من يمينه، فنبعث إليه ترابا من أرضنا فيطؤه، ونبعث ببعض أبنائنا فيختمهم، ونبعث إليه بجزية يرضاها، ثم دعا بصحاف من ذهب وملأها ترابا، وبعث بحرير وذهب وأربعة غلمان من أبناء الملوك، ثم أجاز الوفد جوائز حسنة، فعادوا إلى قتيبة، فرضي وقبل الجزية وختم الغلمان، ووطئ التراب [3] .
اكتفى قتيبة بهذا من ملك الصين، ويبدو أن الذي حمله على التساهل وقبول الحل الوسط الذي عرضه الملك ما حدث في داخل الدولة الإسلامية فقد توفي الخليفة الوليد بن عبد الملك سنة (96 هـ) ، ولم تكن علاقة قتيبة على ما يرام مع الخليفة الجديد سليمان بن عبد الملك [4] (96- 99 هـ) لذلك لم ير أنه من المناسب أن يتوغل فاتحا في بلاد الصين وهو لا يحس بالأمان من ورائه.
وعلى كل حال حسب هذا الرجل العظيم والفاتح الكبير أنه في غضون عشر [1] تاريخ الطبري (6/ 500- 503) . [2] الطبري (6/ 501- 503) . [3] المصدر نفسه (6/ 503) . [4] انظر زين الأخبار- مصدر سابق (1/ 179) .