كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ [التوبة: 120- 121] ثم أخبر عمن يقتل في سبيل الله أنه حي مرزوق، فقال تعالى:
وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران: 169] ؛ فتنجزوا موعود ربكم، ووطنوا أنفسكم على أقصى أثر وأمضى ألم، وإياكم والهوينى» [1] .
بهذه الخطبة البليغة ذكر قتيبة العرب برسالتهم ومسؤوليتهم عنها وأهاب بهم أن يوطنوا أنفسهم على تحمل المشقات في سبيل الله، كما فعل أسلافهم من قبل، حتى يفوزوا مثلهم بسعادة الدنيا والآخرة.
وكما نجح قتيبة في توحيد صفوف العرب في خراسان تحت راية الجهاد في سبيل الله، فقد نجح في كسب ثقة الخراسانيين وودّهم، حيث قرّبهم إليه وأسند إليهم الوظائف الإدارية، وضمن بذلك تعاونهم معه، وكان كل ذلك مقدمة ضرورية وسليمة لتحقيق هدفه الكبير، وهو فتح بلاد ما وراء النهر.
* خطوات الفتح ومراحله:
استغرق فتح بلاد ما وراء النهر نحو عشر سنوات (86- 96 هـ) ومر عبر أربع مراحل رئيسية؛ نوجزها فيما يلي:
المرحلة الأولى: استغرقت عاما واحدا تقريبا (86- 87 هـ)
، وفيه أخضع قتيبة إقليم طخارستان، ذلك الإقليم الكبير الذي يقع على ضفتي نهر جيحون، والذي يبدو أن أوضاعه لم تستقر تماما للمسلمين طوال السنين الماضية، منذ فتحه الأحنف بن قيس في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه [2] .
فكان على قتيبة أن يخضع ذلك الإقليم للسيادة الإسلامية قبل عبور النهر وفيما يروي البلاذري والطبري [3] فإن قتيبة بعد أن استتبت له الأمور في خراسان استخلف عليها إياس بن عبد الله بن عمر، وسار هو على رأس قواته إلى طخارستان، فلما بلغ الطالقان تلقاه دهاقون بلخ وعظاماؤها، فساروا معه، فلما [1] الطبري (6/ 424) . [2] انظر الطبري (4/ 313) . [3] الطبري (6/ 424) والبلاذري (ص 516، 517) .