حامل رسالة النبي إليه، وبعد أن ذكر أشياء من صفات النبي صلّى الله عليه وسلم-: «القبط لا يطاوعوني في اتباعه، ولا أحب أن تعلم بمحاورتي إياك، وأنا أضن بملكي أن أفارقه، وسيظهر على البلاد، وينزل بساحتنا هذه أصحابه من بعده، حتى تظهر على من ههنا، فارجع إلى صاحبك. فقد أمرت له بهدايا وجاريتين؛ أختين، وبغلة من مراكبي ... إلخ» [1] .
فالمقوقس يعترف بصريح العبارة أن فتح المسلمين لمصر أمر محتم ولا مناص منه، والمسألة مسألة وقت، لا أكثر، ومع ذلك رفض الإسلام ضنّا بملكه الدنيوي، وهذا هو ما علق به النبي صلّى الله عليه وسلم على موقفه هذا عندما عاد إليه سفيره حاطب بن أبي بلتعة وقصّ عليه القصة، فقد قال: «ضنّ الخبيث بملكه ولا بقاء لملكه» [2] .
وخلاصة القول في فتح العرب لمصر أنهم حرّروا شعبها من استعباد البيزنطيين وظلمهم، وعمّروا البلاد بعد أن خرّبها البيزنطيون، حتى الكنائس والأديرة التي دمروها أصلحها الفاتح العظيم؛ عمرو بن العاص، ومنح المصريين الذين بقوا على نصرانيتهم حرية دينية لم يعرفوها طوال تاريخهم المسيحي كله [3] .
* بداية التفكير في إنشاء قوة بحرية إسلامية:
أول من أدرك ضرورة امتلاك المسلمين قوة بحرية تحمي شواطئهم في مصر والشام، ضد هجمات الأساطيل البيزنطية هو أمير الشام؛ معاوية بن أبي سفيان [4] . والذي جعل معاوية يدرك هذا ويفكر فيه تجربته العملية أثناء فتح سواحل الشام، ومدنه الحصينة التي لم تكن مجرد موانئ بحرية، بل كانت ترسانات حربية بيزنطية، من طرسوس شمالا حتى غزة جنوبا، فقد عانى معاوية عناء شديدا في فتح تلك الموانى، التي كانت تأتيها الإمدادت تباعا من القسطنطينية، وغيرها من جزر البحر الأبيض المتوسط؛ التي كانت كلها تحت حكم البيزنطيين- العدو الأول والأخطر للمسلمين آنذاك- ولما أتم معاوية فتح مدن سواحل الشام كلها أدرك ببصيرة عسكرية نافذة، ووعي سياسي كبير أنه بدون أن يمتلك المسلمون قوة بحرية فعالة تحمي تلك الشواطئ [1] ابن سيد الناس- عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير (2/ 338) . [2] ابن سيد الناس- عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير (2/ 338) . [3] الدعوة إلى الإسلام، مرجع سابق (ص 123) . [4] د. إبراهيم أحمد العدوي- الأساطيل العربية في البحر الأبيض المتوسط، مكتبة نهضة مصر (ص 7) .