طريق المواجهة، إلى أن وضع الخلفاء الراشدون حدّا لغطرسة أكاسرة الفرس، وأزالوا سلطانهم من الوجود. ورفعوا راية الإسلام على كل بلاد فارس، وخلصوا البلاد والعباد من ظلم الأكاسرة، وجعلوا شعوب المنطقة تنعم بالحرية والعدل والمساواة في ظل الإسلام ولأول مرة في تاريخها.
مرة أخرى: هل يلام المسلمون إذا حملوا السلاح للدفاع عن حرية نشر عقيدتهم وعن أنفسهم وأرضهم أمام عدوان الفرس؟ ولم يكن المسلمون راغبين في حرب الفرس ولكنهم أجبروا على ذلك. ولقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله:
«وددت لو أن بيننا وبين الفرس جبلا من نار لا يصلون إلينا ولا نصل إليهم» .
وبعد؛ فإذا كان هناك من لا يزال يتشكك في أن الفرس والروم هم الذين أجبروا المسلمين على اللجوء إلى القوة لحسم الموقف؛ فإننا نسأله هذا السؤال: لماذا لم يحارب المسلمون الحبشة كما حاربوا الروم والفرس، مع أن إمبراطور الحبشة تلقى رسالة من النبي مماثلة للرسائل التي أرسلت إلى هرقل وكسرى. فلو كان المسلمون يهدفون إلى إدخال الناس في دينهم بالقوة، لكان حرب الحبشة أسهل عليهم بكثير من حرب الفرس والروم؛ لأن الحبشة لم تكن لديها قوة الفرس والروم. وعبور قوات من بلاد العرب إلى الحبشة لم يكن صعبا، فقد سبق للأحباش أنفسهم أن عبروا البحر بقواتهم وغزو اليمن، بل وصلت قواتهم إلى مشارف مكة نفسها في عام الفيل المشهور الذي ولد فيه النبي صلّى الله عليه وسلم، كما أنّ المسلمين عبروا البحر إلى الحبشة مرتين في هجرتهم إليها قبل الهجرة إلى المدينة.
نجيب نحن على السؤال المتقدم، فنقول: إن المسلمين لم يحاربوا الحبشة؛ لأن الحبشة لم تعلن عليهم الحرب، ولم تعتد عليهم أو تبدأهم بعدوان. بل بالعكس كان للحبشة وملكها موقف إنساني عظيم من المسلمين عندما هاجروا إليها بناء على تعليمات النبي صلّى الله عليه وسلم. وقد مدح النبي الحبشة وسماها بلاد صدق. ومدح ملكها وقال عنه: «إنه ملك عادل لا يظلم أحد عنده» وقد كان ملك الحبشة عند حسن ظن النبي به، فقد آوى المسلمين وأكرمهم، وظلوا في كنفه خمسة عشر عاما.
وفوق ذلك فإن النجاشي رد على رسالة النبي إليه ردّا غاية في الأدب والتواضع لدرجة أن ذهب بعض المؤرخين المسلمين إلى أنه أسلم. ولكن حتى بصرف النظر عن قصة إسلامه. فقد كان موقفه وموقف بلاده من المسلمين وديّا، وحفظ المسلمون لهم جميلهم، وحافظوا على علاقات حسن الجوار معهم. ويروى أن