الذي هو مباح للعرب جميعا، ولكن النبي صلّى الله عليه وسلم كان مصرّا على تنفيذ خطة السلام التي التزمها منذ خروجه من المدينة، فقرر ألا يعطيها فرصة لاستفزازه والدخول معها في معركة ما استطاع إلى ذلك سبيلا. فما أن سمع بموقفها حتى قال: «يا ويح قريش! لقد أهلكتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلّوا بيني وبين سائر العرب، فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين، وإلم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة» وليتحاشى الاحتكاك بجيش قريش سلك طريقا صعبا، تجشم فيه هو وأصحابه متاعب كبيرة حتي وصلوا إلى الحديبية. وليدلل على صدق نواياه فقد أطلق سراح مجموعة من جيش قريش، وقعت أسرى في أيدي المسلمين، حينما حاولوا الإغارة على معسكر النبي. ولكن كل ذلك لم يجد أمام نزعة قريش العدوانية. حتى بعد أن عادت إليها كل وفودها التي أرسلتها إلى النبي، مؤكدة لها أنه ما جاء مقاتلا بل زائرا للبيت يسوق الهدي أمامه. ولكنها أصرت على موقفها، وعلّلت ذلك بعلة سخيفة؛ وهي خوفها من ضياع هيبتها وسمعتها أمام العرب.
ولكن كل هذا لم يثن عزم النبي صلّى الله عليه وسلم عن المضي في شوط السلام إلى نهايته وعبر عن ذلك بقوله: «والله لا تدعوني قريش إلى خطة يسألون بها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها» وأرسل إلى قريش عثمان بن عفان رضي الله عنه، ليفاوضها، وطالت إقامة عثمان في مكة أكثر مما ينبغي، حتى أشيع أنه قتل، وعندئذ كان لا بد من أن يتغير الموقف، فإذا كانت قريش قد غدرت برجل مسلم مسالم في الشهر الحرام فإن النبي صلّى الله عليه وسلم لن يترك مكانه حتى يلقنهم درسا كالذي أخذوه في بدر. وكان المسلمون قد امتلأت قلوبهم غيظا من صلف قريش وغرورها. فأسرعوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلم يبايعونه على بذل أرواحهم في سبيل الله ولإعلاء كلمته. وكان موقفهم رائعا باركته السماء وزكاه الحق تبارك وتعالى في القرآن الكريم: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً [الفتح: 18] والحق أن القتال كان أحب يومئذ للمسلمين لا لأنهم يهوون القتال لذاته، ولكن لرد عدوان قريش، التي لم تكتف بطردهم من ديارهم، بل وتصرّ على حرمانهم من زيارة البيت، ولكن النبي صلّى الله عليه وسلم لم يفقد الأمل في الوصول إلى خطة سلام. فما أن تبيّن أن خبر اغتيال عثمان غير صحيح، حتى عاد إلى أسلوب المفاوضات من جديد، واتصلت المباحثات بين الفريقين.
وانتدبت قريش سهيل بن عمرو ليفاوض النبي باسمها، ولكن على أساس شروط