ومحيصة بن مسعود بن زيد خرجا حتى إذا كانا بخيبر تفرقا في بعض ما هنالك، ثم إذا محيصة يجد عبد الله مقتولا، فدفنه، ثم أقبل على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو وحويصة ابن مسعود وعبد الرحمن بن سهل ... فذكروا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم مقتل عبد الله بن سهل فقال لهم: «أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون صاحبكم، أو قاتلكم؟» ، قالوا:
كيف نحلف ولم نشهد؟ قال: «فتبرؤكم يهود بخمسين يمينا» ، قالوا: كيف نقبل إيمان قوم كفار؟ فلما رأى ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم عقله [1] . أي: دفع لهم ديته.
كذلك كان يقضي صلّى الله عليه وسلم بين اليهود أنفسهم، ومن صور قضائه بينهم ما ثبت في الصحيحين أن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلا وامرأة زنيا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟» قالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم، فأمروا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد أن فيها الرجم، فأمر بهما صلّى الله عليه وسلم فرجما [2] .
وكانت في بعض الأحيان ترفع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قضايا قضى فيها بعض الولاة أو القضاة ولم يعجب الناس حكمهم، فقد ذكر الإمام أحمد والبزار وغيرهما أن قوما احتفروا بئرا باليمن، فسقط فيها رجل فتعلق باخر والثاني بالثالث والرابع فسقطوا جميعا فماتوا، فارتفع أولياؤهم إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: اجمعوا من حفر البئر من الناس، فقضى للأول بربع الدية؛ لأنه هلك فوقه ثلاثة، والثاني بثلثها؛ لأنه هلك فوقه اثنان، والثالث بنصفها؛ لأنه هلك فوقه واحد، وللرابع بالدية تامة، فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم العام القابل، فقصوا عليه القصة، فقال: «هو ما قضى بينكم» [3] .
* هيئة الحكومة النبوية:
كان الرسول صلّى الله عليه وسلم يقوم بمهمة الحكم إلى جانب قيامه بتبليغ وأعباء الرسالة، لذلك كان لا بد أن يكون هناك من يعاونه في أمر الحكم؛ لأن مشاكل الدولة- في دور تأسيسها- كثيرة، وقضايا الناس ومصالحهم لا تقف عند حد، فاقتضت [1] صحيح مسلم بشرح النووي (11/ 146، 147) المطبعة المصرية ومكتبها. القاهرة بدون تاريخ، وابن القيم زاد المعاد في هدي خير العباد (3/ 200، 201) لم يذكر مكان الطبع ولا التاريخ. [2] زاد المعاد (3/ 207) . [3] المصدر السابق (3/ 201) .