الأماكن البعيدة ... ويؤمر على السرايا، ويبعث على الأموال الزكوية السعاة فيأخذونها ممن هي عليه ويدفعونها إلى مستحقيها.. وكان يستوفي الحساب على العمال يحاسبهم على المستخرج والمصروف» [1] . بل إن الذي يتأمل المصادر القديمة الموثوق بها ويدقق في النصوص يتضح له أن التفكير في أمر الحكم والدولة والنظام السياسي كان موجودا عند الرسول إلى جانب الدعوة الدينية منذ البداية ووقت أن كان في مكة، فقد ذكر الطبري- أن مشيخة قريش وسرواتهم دخلوا على أبي طالب فقالوا له: أنت كبيرنا وسيدنا فانصفنا من ابن أخيك فمره فليكف عن شتم آلهتنا وندعه وإلهه. قال: فبعث إليه أبو طالب، فلما دخل عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: يا ابن أخي هؤلاء مشيخة قومك وسرواتهم وقد سألوك النصف أن تكف عن شتم آلهتهم ويدعوك وإلهك. قال: «أي عم، أولا أدعوهم إلى ما هو خير لهم منها؟» قال: وإلام تدعوهم؟ قال: «ادعوهم إلى أن يتكلموا بكلمة تدين لهم بها العرب ويملكون بها العجم» . قال: فقال أبو جهل من بين القوم: ما هي وأبيك؟ لنعطينكها وعشرا أمثالها. قال: «تقول: لا إله إلا الله» .
قال: فنفروا وقالوا: سلنا غير هذه، فقال: «لو جئتموني بالشمس حتى تضعوها في يدي ما سألتكم غيرها» . قال: فغضبوا وقاموا من عنده غضابا» [2] .
ومما يسترعي الانتباه أن بعض العرب قد فطن إلى ما نفرت منه قريش، وقدر أن هذه الرسالة سوف تتمخض عن دولة. فقد روى ابن إسحاق عن ابن شهاب الزهري أن النبي صلّى الله عليه وسلم عند ما كان يعرض نفسه على القبائل العربية عله يجد نصيرا يؤمن به.
«أتى- النبي صلّى الله عليه وسلم- بني عامر بن صعصعة، فدعاهم إلى الله عز وجل، وعرض عليهم نفسه، فقال رجل منهم يقال له: بحيرة بن فراس: أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «الأمر لله يضعه حيث يشاء» فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا، لا حاجة لنا بأمرك» [3] . وذكر ابن إسحاق قصة قدوم عدي بن حاتم الطائي على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأكرمه النبي صلّى الله عليه وسلم وأجلسه على وسادته وجلس هو على الأرض. ثم قال: «لعلك يا عدي إنما يمنعك [1] الحسبة في الإسلام لابن تيمية (ص 20) [2] الطبري (2/ 324) . [3] سيرة ابن هشام (2/ 33) تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد.