صلح الحديبية الذي كان في نهاية العام السادس الهجري.
فهل توافق كل هذه الحوادث الكبيرة والخطيرة، والتي غيرت مجرى التاريخ العالمي كله، وأثرت في مصير البشرية، ووجهته وجهة جديدة، هل كان هذا التوافق مجرد مصادفات، أو أن في الأمر تدبيرا إلهيّا يريده الله ولا ندرك نحن أبعاده؟ ... الله وحده هو الذي يعلم حقيقة ذلك.
على كل حال كان من حسن الحظ- كما أسلفنا- أن الإسلام ظهر وقوي واشتد عوده ومضى على ظهوره ما يقرب من عشرين عاما، قبل أن يتنبه الفرس والروم كلاهما لخطورة ما حدث، ولم يقدروا أبعاده، ولم يستطيعوا أن يفهموا أن دينا جديدا قد نزل، وأن دولة جديدة قامت على أساس هذا الدين. وأن العرب- الذين كانوا يحتقرونهم بالأمس- سوف يخرجون من جزيرتهم تحت راية هذا الدين. وسوف يدعونهم للدخول في دينهم، فإن أجابوا فهم إخوانهم؛ لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، وإن رفضوا وقاوموا الدين وصدوا الناس عنه؛ فسوف يحاربونهم ويقهرونهم جميعا، وينتزعون منهم سيادة العالم، وسوف يخلصون الشعوب من نير حكمهم واستغلالهم، ويوجهون مصيرها وجهة صالحة نافعة، ويخرجونها من ضلالات الوثنية والشرك بالله إلى توحيده توحيدا خالصا من كل شائبة، وسوف يقيمون العلاقات الإنسانية على أسس فاضلة ومثل عليا. فلما بدأ الفرس والروم جميعا. يدركون أن الإسلام خطر على سلطانهم، وأرادوا مقاومته كان الوقت متأخرا جدّا بالنسبة لهم. ففي خلال هذه السنوات التي انشغل فيها الفرس بالروم والروم بالفرس، استطاع النبي صلّى الله عليه وسلم أن ينشر الإسلام في شبه الجزيرة العربية. وأن يؤسس دولة الإسلام الفتية. وأن يخرج بالإسلام من شبه الجزيرة العربية إلى العالم، فالإسلام لم يأت للعرب وحدهم، وإنما لكل الجنس البشري، وهنا بدأت العلاقات بين المسلمين والروم.
* المسلمون قبل اتصالهم بالروم:
في الفترة المكية من حياة الإسلام، كان النبي صلّى الله عليه وسلم مشغولا بأمر قريش ودعوتها إلى الإسلام، ومقاومتها للإسلام. فلم يكن ممكنا ولا منطقيّا أن يخاطب العالم الخارجي ويدعوه للإسلام، قبل أن يسلم أهل مكة وهم أهله وعشيرته الأقربون.
ولم يحدث اتصال- في تلك الفترة- بأمم أخرى غير العرب، سوى ذلك الاتصال