[مقدمة التحقيق]
ما أظننى في حاجة الى التعريف بمؤلف هذا الكتاب، فقد وقف العلماء من مؤلفه القيم «مروج الذهب» على رجل الدنيا وعلامتها وإن في مروج الذهب لغناء للناس عن أن يتساءلوا عن فضل الرجل وعلمه الواسع، وإحاطته التي لا حد لها، مع فقهه وأمانته فيما ينقل من أخبار ولن نصل من استعراض كتابيه «مروج الذهب» و «التنبيه والاشراف» على أقل من أنه: عالم، فلكي، حاسب، جغرافى، ففيه، محدث، جدلى، نظار، دياني، مؤرخ، ناسب، أخبارى، فيلسوف، أديب. راوية وأنه كان ملماً بعدة لغات كثيرة كالفارسية والهندية واليونانية والروميّة والسريانية، وكان ذا حظ وافر من مختلف الثقافات التي وصل إليها علم الإنسان منذ بدأ الله الخلق إلى عصر المسعودي وهو غريب فيما ينقل، مبدع فيما يصف، قصاص بارع، ذو أسلوب جذاب، وعبارة ممتعة، وقد تتلمذ له كثير من العلماء والمؤرخين، وأكثروا من النقل عنه والتوفيق له.
وهو كثير التنقل بالقارئ من تاريخ إلى علم إلى فقه إلى أدب وشعر إلى فلسفة إلى نقد، الى غير ذلك، مما يدل على أنه ذو ثروة علمية فذة ويظهر أن الثروة العلمية التي امتاز المسعودي بها لم يدونها كلا في كتابيه هذين، فحسب بل بعثرها في كتبه، وفرقها بين مصنفاته، تفرقة عادلة، وقسمة راعى بها أن يكون في كل مؤلف منها ما يحببه الى القراء، ويرفع قدره ومنزلته بين العلماء.