نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير جلد : 9 صفحه : 281
فاعرفوا مكاني، فليس شيء في السموات والأرضين إلا أنا، وخلقي كلهم لا يقوم ولا يدوم إلا بى، ويتقلب في قبضتي، ويعيش برزقي، وحياته وموته وبقاؤه وفناؤه بيدي، فليس له محيص ولا ملجأ غيري، لو تخليت عنه طرفة عين لدمر كله، وكنت أنا على حالي لا ينقصني ذلك شيئا، ولا ينقص ذلك ملكي شيئا، وأنا مستغن بالعز كله في جبروتي وملكي، وبرهان نوري، وشديد بطشي، وعلو مكاني، وعظمة شأنى، فلا شيء مثلي، ولا إله غيري، وليس ينبغي لشيء خلقته أن يعدل بى ولا ينكرنى، وكيف ينكرنى من خلقته يوم خلقته على معرفتي؟، أم كيف يكابرنى من قهر قهره ملكي؟ أم كيف يعجزنى من ناصيته بيدي؟ أم كيف يعدل بى من أعمره وأسقم جسمه وأنقص عقله وأتوفى نفسه وأخلقه وأهرمه فلا يمتنع منى؟ أم كيف يستنكف عن عبادتي عبدي وابن عبدي وابن أمتى، ومن لا ينسب إلى خالق ولا وارث غيري؟ أم كيف يعبد دوني من تخلقه الأيام، ويفنى أجله اختلاف الليل والنهار؟ وهما شعبة يسيرة من سلطاني؟ فإليّ إلى يا أهل الموت والفناء، لا إلى غيري، فانى كتبت الرحمة على نفسي وقضيت العفو والمغفرة لمن استغفرني، أغفر الذنوب جميعا، صغيرها وكبيرها لمن استغفرني، ولا يكبر ذلك على ولا يتعاظمني، فلا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ولا تقنطوا من رحمتي، فان رحمتي سبقت غضبى، وخزائن الخير كلها بيدي، ولم أخلق شيئا مما خلقت لحاجة كانت منى إليه، ولكن لأبين به قدرتي، ولينظر الناظرون في ملكي، ويتدبروا حكمتى، وليسبحوا بحمدي ويعبدوني لا يشركوا بى شيئا، ولتعنو الوجوه كلها إلى.
وقال أشرس عن وهب قال قال داود: إلهي أين أجدك؟ قال عند المنكسرة قلوبهم من مخافتي.
وقال كان رجل من بنى إسرائيل صام سبعين أسبوعا يفطر في كل أسبوع يوما وهو يسأل الله أن يريه كيف يغوى الشيطان الناس، فلما أن طال ذلك عليه ولم يجب، قال في نفسه: لو أقبلت على خطيئتي وعلى ذنوبي وما بيني وبين ربى لكان خيرا من هذا الأمر الّذي أطلب، ثم أقبل على نفسه فقال:
يا نفس من قبلك أتيت، لو علم الله فيك خيرا لقضي حاجتك. فأرسل الله ملكا إلى نبيهم: أن قل لفلان العابد: إزراؤك على نفسك وكلامك الّذي تكلمت به، أعجب إلى مما مضى من عبادتك، وقد أجاب الله سؤالك، وفتح بصرك فانظر الآن، فنظر فإذا أحبولة لإبليس قد أحاطت بالأرض، وإذا ليس أحد من بنى آدم إلا وحوله شياطين مثل الذباب، فقال: إي رب، ومن ينجو من هؤلاء؟
قال صاحب القلب الوادع اللين.
وقال وهب: كان رجل من السائحين فأتى على أرض فيها قثاء فدعته نفسه إلى أخذ شيء منه، فعاقبها فقام مكانه يصلى ثلاثة أيام، فمرّ به رجل وقد لوّحته الشمس والريح، فلما نظر إليه قال:
نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير جلد : 9 صفحه : 281