responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير    جلد : 9  صفحه : 252
مَذْهَبِي، فَإِنْ أَصَابَنِي سَهْمٌ غَرْبٌ مِنْ بَيْنِهِمَا خَسِرْتُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، فَقَالَ: إِي وَاللَّهِ يَا أمير المؤمنين، فاحتكم، قال: أحتكم حُكْمِي أَنْ أَرُدَّكَ إِلَى أَهْلِكَ وَأُحْسِنَ جَائِزَتَكَ، فأعطاه مالا وأذن له بالانصراف.
وَقَالَ حَمَّادٌ الرَّاوِيَةُ عَنْ كُثَيِّرِ عَزَّةَ: وَفَدْتُ أَنَا وَالْأَحْوَصُ وَنُصَيْبٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العزيز حين ولى الخلافة، ونحن نمتّ بِصُحْبَتِنَا إِيَّاهُ وَمُعَاشَرَتِنَا لَهُ، لَمَّا كَانَ بِالْمَدِينَةِ، وكل مِنَّا يَظُنُّ أَنَّهُ سَيُشْرِكُهُ فِي الْخِلَافَةِ، فَنَحْنُ نَسِيرُ وَنَخْتَالُ فِي رِحَالِنَا، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى خُنَاصِرَةَ وَلَاحَتْ لَنَا أَعْلَامُهَا، تَلَقَّانَا مَسْلَمَةُ بْنُ عبد الملك فقال: ما أقدمكم؟ أو ما علمتم أن صاحبكم لا يحب الشعر ولا الشعراء؟ قَالَ: فَوَجَمْنَا لِذَلِكَ، فَأَنْزَلَنَا مَسْلَمَةُ عِنْدَهُ وَأَجْرَى عَلَيْنَا النَّفَقَاتِ وَعَلَفَ دَوَابَّنَا، وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَأْذِنَ لَنَا عَلَى عُمَرَ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الْجُمَعِ دَنَوْتُ مِنْهُ لِأَسْمَعَ خُطْبَتَهُ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: لِكُلِّ سَفَرٍ زَادٌ، فَتُزَوَّدُوا لِسَفَرِكُمْ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَةِ بِالتَّقْوَى، وَكُونُوا كَمَنْ عَايَنَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ مِنْ عَذَابِهِ وَثَوَابِهِ فَتَرْغَبُوا وَتَرْهَبُوا، وَلَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمُ الْأَمَدُ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ وَتَنْقَادُوا لِعَدُوِّكُمْ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بُسِطَ أَمَلُ مَنْ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ لَا يُمْسِي بَعْدَ إِصْبَاحِهِ وَلَا يُصْبِحُ بعد إمسائه، وربما كانت له كامنة بين ذلك خطرات الموت والمنايا، وَإِنَّمَا يَطَمْئِنُّ مَنْ وَثِقَ بِالنَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَأَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَأَمَّا مَنْ لَا يُدَاوِي مِنَ الدُّنْيَا كَلْمًا إِلَّا أَصَابَهُ جَارِحٌ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى فَكَيْفَ يَطْمَئِنُّ، أَعُوذُ باللَّه أَنْ آمُرَكُمْ بِمَا أَنْهَى عَنْهُ نَفْسِي فَتَخْسَرُ صَفْقَتِي وَتَبْدُو مَسْكَنَتِي فِي يَوْمٍ لَا يَنْفَعُ فِيهِ إِلَّا الْحَقُّ وَالصِّدْقُ، ثُمَّ بَكَّى حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَاضٍ نَحْبَهُ، وَارْتَجَّ الْمَسْجِدُ وَمَا حَوْلَهُ بِالْبُكَاءِ وَالْعَوِيلِ: قَالَ: فَانْصَرَفْتُ إِلَى صَاحِبَيَّ فقلت: خذ سرحا مِنَ الشِّعْرِ غَيْرَ مَا كُنَّا نَقُولُ لِعُمَرَ وَآبَائِهِ فَإِنَّهُ رَجُلٌ آخِرِيٌّ لَيْسَ بِرَجُلِ دُنْيَا. قَالَ:
ثُمَّ اسْتَأْذَنَ لَنَا مَسْلَمَةُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ طَالَ الثَّوَاءُ وَقَلَّتِ! الْفَائِدَةُ، وَتَحَدَّثَ بِجَفَائِكَ إِيَّانَا وُفُودُ الْعَرَبِ. فَقَالَ: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ 9: 60 وقرأ الآية، فان كنتم من هؤلاء أعطيتم وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَكُمْ فِيهَا، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي مِسْكِينٌ وَعَابِرُ سَبِيلٍ وَمُنْقَطَعٌ بِهِ، فَقَالَ: أَلَسْتُمْ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ؟ - يَعْنِي مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ- فَقُلْنَا: بَلَى! فَقَالَ: إنه لا ثواب عَلَى مَنْ هُوَ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ، فَقُلْتُ: ائذن لي يا أمير المؤمنين بالإنشاد، قَالَ:
نَعَمْ وَلَا تَقُلْ إِلَّا حَقًّا، فَأَنْشَدْتُهُ قَصِيدَةً فِيهِ:
وَلَيْتَ فَلَمْ تَشْتِمْ عَلِيًّا وَلَمْ تخف ... بريئا وَلَمْ تَقْبَلْ إِشَارَةَ مُجْرِمِ
وَصَدَّقْتَ بِالْفِعْلِ الْمَقَالَ مَعَ الَّذِي ... أَتَيْتَ فَأَمْسَى رَاضِيًا كُلُّ مُسْلِمِ
ألا إنما يكفى الفتى بعد ريعه ... من الأود النادي ثِقَافُ الْمُقَوِّمِ
وَقَدْ لَبِسَتْ تَسْعَى إِلَيْكَ ثِيَابُهَا ... تَرَاءَى لَكَ الدُّنْيَا بِكَفٍّ وَمِعْصَمِ
وَتُومِضُ أَحْيَانًا بِعَيْنٍ مَرِيضَةٍ ... وَتَبْسِمُ عَنْ مِثْلِ الْجُمَانِ الْمُنَظَّمِ

نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير    جلد : 9  صفحه : 252
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست