responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير    جلد : 7  صفحه : 36
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ بعث إلى أن فارقنا عليه فَالْزَمْهُ، فَإِنَّهُ الْأَمْرُ. هَذِهِ عِظَتِي إِيَّاكَ، إِنْ تَرَكْتَهَا وَرَغِبْتَ عَنْهَا حَبِطَ عَمَلُكَ وَكُنْتَ مِنَ الْخَاسِرِينَ. وَلَمَّا أَرَادَ فِرَاقَهُ قَالَ لَهُ: إِنَّكَ سَتُقْدِمُ عَلَى أَمْرٍ شَدِيدٍ، فَالصَّبْرَ الصَّبْرَ عَلَى مَا أَصَابَكَ وَنَابَكَ، تُجْمَعْ لَكَ خَشْيَةُ اللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ خَشْيَةَ اللَّهِ تَجْتَمِعُ فِي أَمْرَيْنِ، فِي طَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ، وَإِنَّمَا طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَهُ بِبُغْضِ الدُّنْيَا وَحُبِّ الْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا عِصْيَانُ مَنْ عَصَاهُ بِحُبِّ الدُّنْيَا وَبُغْضِ الْآخِرَةِ. وَلِلْقُلُوبِ حَقَائِقُ يُنْشِئُهَا اللَّهُ إِنْشَاءً، مِنْهَا السِّرُّ وَمِنْهَا الْعَلَانِيَةُ، فَأَمَّا الْعَلَانِيَةُ فَأَنْ يَكُونَ حَامِدُهُ وَذَامُّهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً، وَأَمَّا السِّرُّ فَيُعْرَفُ بِظُهُورِ الحكمة من قبله على لسانه، وبمحبة الناس، ومن محبة النَّاسِ. فَلَا تَزْهَدْ فِي التَّحَبُّبِ فَإِنَّ النَّبِيِّينَ قَدْ سَأَلُوا مَحَبَّتَهُمْ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا حَبَّبَهُ، وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا بَغَّضَهُ، فَاعْتَبِرْ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ اللَّهِ بِمَنْزِلَتِكَ عِنْدَ النَّاسِ.
قَالُوا: فَسَارَ سَعْدٌ نَحْوَ الْعِرَاقِ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ ثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَأَلْفٍ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ، وَقِيلَ فِي سِتَّةِ آلَافٍ. وَشَيَّعَهُمْ عُمَرُ مِنْ صِرَارٍ إِلَى الْأَعْوَصِ وَقَامَ عُمَرُ في الناس خطيبا لك فَقَالَ:
إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا ضَرَبَ لَكُمُ الْأَمْثَالَ، وصرف لكم القول لتحيى الْقُلُوبَ فَإِنَّ الْقُلُوبَ مَيِّتَةٌ فِي صُدُورِهَا حَتَّى يُحْيِيَهَا اللَّهُ، مَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيَنْتَفِعْ بِهِ، فَإِنَّ لِلْعَدْلِ أَمَارَاتٌ وَتَبَاشِيرُ، فَأَمَّا الْأَمَارَاتُ فَالْحَيَاءُ وَالسَّخَاءُ وَالْهَيْنُ وَاللَّيْنُ. وَأَمَّا التَّبَاشِيرُ فَالرَّحْمَةُ. وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ أَمَرٍ بَابًا، وَيَسَّرَ لِكُلِّ بَابٍ مِفْتَاحًا، فَبَابُ الْعَدْلِ الِاعْتِبَارُ، وَمِفْتَاحُهُ الزُّهْدُ، والاعتبار ذكر الموت والاستعداد بتقديم الأموال.
وَالزُّهْدُ أَخْذُ الْحَقِّ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ قِبَلَهُ حَقٌّ وَالِاكْتِفَاءُ بِمَا يَكْفِيهِ مِنَ الْكَفَافِ، فَإِنَّ لَمْ يَكْفِهِ الْكَفَافُ لَمْ يُغْنِهِ شَيْءٌ. إِنِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَحَدٌ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَلْزَمَنِي دَفْعَ الدُّعَاءِ عَنْهُ فَأَنْهُوا شَكَاتَكُمْ إِلَيْنَا، فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِلَى مَنْ يُبَلِّغُنَاهَا نَأْخُذْ لَهُ الْحَقَّ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ. ثُمَّ سَارَ سَعْدٌ إِلَى الْعِرَاقِ، وَرَجَعَ عُمَرُ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَلَمَّا انْتَهَى سَعْدٌ إِلَى نَهْرِ زَرُودَ، وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَجْتَمِعَ بِالْمُثَنَّى بْنِ حَارِثَةَ إِلَّا الْيَسِيرُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُشْتَاقٌ إِلَى صَاحِبِهِ، انْتَقَضَ جُرْحُ الْمُثَنَّى بْنِ حَارِثَةَ الَّذِي كَانَ جُرِحَهُ يَوْمَ الْجِسْرِ فَمَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْجَيْشِ بَشِيرَ بْنَ الْخَصَاصِيَةِ. وَلَمَّا بَلَغَ سَعْدًا مَوْتُهُ تَرَحَّمَ عَلَيْهِ وَتَزَوَّجَ زَوْجَتَهُ سَلْمَى. وَلَمَّا وَصَلَ سَعْدٌ إِلَى مَحَلَّةِ الْجُيُوشِ انْتَهَتْ إِلَيْهِ رِيَاسَتُهَا وَإِمْرَتُهَا، وَلَمْ يَبْقَ بِالْعِرَاقِ أَمِيرٌ مِنْ سَادَاتِ الْعَرَبِ إِلَّا تَحْتَ أَمْرِهِ وَأَمَدَّهُ عُمَرُ بِأَمْدَادٍ أُخَرَ حَتَّى اجْتَمَعَ مَعَهُ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ ثَلَاثُونَ أَلْفًا، وَقِيلَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ. وَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ مُلُوكَ الْعَجَمِ بِمُلُوكِ الْعَرَبِ. وَكَتَبَ إِلَى سَعْدٍ أَنْ يَجْعَلَ الْأُمَرَاءَ عَلَى الْقَبَائِلِ، وَالْعُرَفَاءَ عَلَى كُلِّ عَشَرَةٍ عَرِيفًا عَلَى الْجُيُوشِ، وَأَنْ يُوَاعِدَهُمْ إِلَى الْقَادِسِيَّةِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ سَعْدٌ، عَرَّفَ الْعَرْفَاءَ، وَأَمَّرَ عَلَى الْقَبَائِلِ، وَوَلَّى عَلَى الطَّلَائِعِ، وَالْمُقَدِّمَاتِ، وَالْمُجَنِّبَاتِ وَالسَّاقَاتِ، وَالرَّجَّالَةِ، وَالرُّكْبَانِ، كَمَا أَمَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عمر.

نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير    جلد : 7  صفحه : 36
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست