responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير    جلد : 6  صفحه : 287
الْبُخَارِيِّ، وَقَالَ تَعَالَى: وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ 21: 80 وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فِي مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ:
نسيج داود ما حمى صاحب الغار ... وَكَانَ الْفَخَارُ لِلْعَنْكَبُوتِ
وَالْمَقْصُودُ الْمُعْجِزُ فِي إِلَانَةِ الْحَدِيدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي السِّيرَةِ عِنْدَ ذِكْرِ حَفْرِ الْخَنْدَقِ عَامَ الْأَحْزَابِ، فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ، وَقِيلَ: خَمْسٍ، أَنَّهُمْ عَرَضَتْ لَهُمْ كُدْيَةٌ- وَهِيَ الصَّخْرَةُ فِي الْأَرْضِ- فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى كَسْرِهَا وَلَا شَيْءَ مِنْهَا، فَقَامَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ رَبَطَ حَجَرًا عَلَى بَطْنِهِ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ- فَضَرَبَهَا ثَلَاثَ ضَرَبَاتٍ، لَمَعَتِ الْأُولَى حَتَّى أَضَاءَتْ لَهُ مِنْهَا قصور الشام، وبالثانية قصور فارس، وثالثة، ثم انسالت الصخرة كأنها كثيب من الرمل، ولا شك أن انسيال الصخرة الَّتِي لَا تَنْفَعِلُ وَلَا بِالنَّارِ، أَعْجَبُ مِنْ لين الحديد الّذي إن أحمى لانه كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ:
فَلَوْ أَنَّ مَا عَالَجْتُ لين فؤادها بنفسي للان الجندل ...
والجندل الصخر، فلو أن شيئا أشد قوة من الصخر لذكره هذا الشاعر المبالغ، قال اللَّهُ تَعَالَى:
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً 2: 74 الآية. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ 17: 50- 51 الآية، فذلك لمعنى آخر فِي التَّفْسِيرِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَدِيدَ أَشَدُّ امْتِنَاعًا فِي السَّاعَةِ الرَّاهِنَةِ مِنَ الْحَجَرِ مَا لَمْ يُعَالَجْ، فَإِذَا عُولِجَ انْفَعَلَ الْحَدِيدُ وَلَا يَنْفَعِلُ الْحَجَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ لَيَّنَ اللَّهُ لِدَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْحَدِيدَ حَتَّى سَرَدَ مِنْهُ الدُّرُوعَ السَّوَابِغَ، قِيلَ: لُيِّنَتْ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِجَارَةَ وَصُمُّ الصُّخُورِ، فَعَادَتْ لَهُ غَارًا اسْتَتَرَ بِهِ من المشركين، يوم أحد، مال إلى الجبل ليخفى شخصه عنهم فلين الجبل حتى أدخل رأسه فيه، وَهَذَا أَعْجَبُ لِأَنَّ الْحَدِيدَ تُلَيِّنُهُ النَّارُ، وَلَمْ نَرَ النَّارَ تُلَيِّنُ الْحَجَرَ، قَالَ: وَذَلِكَ بَعْدُ ظَاهِرٌ بَاقٍ يَرَاهُ النَّاسُ. قَالَ: وَكَذَلِكَ فِي بعض شعاب مكة حجر من جبل في صلايه [1] إليه فلان الحجر حتى ادرأ فِيهِ بِذِرَاعَيْهِ وَسَاعِدَيْهِ، وَذَلِكَ مَشْهُورٌ يَقْصِدُهُ الْحُجَّاجُ وَيَرَوْنَهُ. وَعَادَتِ الصَّخْرَةُ لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِهِ كَهَيْئَةِ العجين، فربط بها دابته- البراق- وموضعه يمسونه الناس إلى يومنا هذا. وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ، مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ وَبَعْضِ شِعَابِ مَكَّةَ غَرِيبٌ جِدًّا، وَلَعَلَّهُ قَدْ أَسْنَدَهُ هُوَ فِيمَا سَلَفَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَعْرُوفٍ في السيرة الْمَشْهُورَةِ. وَأَمَّا رَبْطُ الدَّابَّةِ فِي الْحَجَرِ فَصَحِيحٌ، وَالَّذِي رَبَطَهَا جِبْرِيلُ كَمَا هُوَ فِي صَحِيحِ مسلّم رحمه الله وأما قوله: وأوتيت الحكمة وفصل الخطاب، فَقَدْ كَانَتِ الْحِكْمَةُ الَّتِي أُوتِيَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشِّرْعَةُ الَّتِي شُرِعَتْ لَهُ، أَكْمَلَ مِنْ كُلِّ حِكْمَةٍ وَشِرْعَةٍ كَانَتْ لِمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، فَإِنَّ اللَّهَ جَمَعَ لَهُ مَحَاسِنَ مَنْ كان قبله، وفضله، وأكمله [وَآتَاهُ] مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا قَبْلَهُ، وَقَدْ قال صلّى الله عليه وسلّم: أوتيت جوامع

[1] كذا بالأصل.
نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير    جلد : 6  صفحه : 287
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست