responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير    جلد : 13  صفحه : 148
خُذُوهُ فَتَسَلَّمُوهُ فَقَتَلُوهُ، وَلَوْ طَلَبُوا مِنِّي مُلْكِي فداء له لدفعته إليهم، ولكن استحيت مِنَ اللَّهِ أَنْ أُعَارِضَ شَرْعَهُ بِحَظِّ نَفْسِي رحمه الله تعالى وعفا عنه.
وَلَمَّا مَلَكَ دِمَشْقَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وستمائة نادى مناديه فيها أَنْ لَا يَشْتَغِلَ أَحَدٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ بِشَيْءٍ مِنَ الْعُلُومِ سِوَى التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ، وَمَنِ اشْتَغَلَ بِالْمَنْطِقِ وَعُلُومِ الْأَوَائِلِ نُفِيَ مِنَ الْبَلَدِ.
وَكَانَ الْبَلَدُ بِهِ فِي غَايَةِ الْأَمْنِ وَالْعَدْلِ، وَكَثْرَةِ الصَّدَقَاتِ وَالْخَيْرَاتِ، كَانَتِ الْقَلْعَةُ لَا تُغْلَقُ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ كُلِّهَا، وَصُحُونُ الْحَلَاوَاتِ خَارِجَةٌ منها إلى الجامع والخوانق والربط، والصالحية وإلى الصَّالِحِينَ وَالْفُقَرَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَكَانَ أَكْثَرُ جُلُوسِهِ بِمَسْجِدِ أَبِي الدَّرْدَاءِ الَّذِي جَدَّدَهُ وَزَخْرَفَهُ بِالْقَلْعَةِ، وكان ميمون النقيبة ما كسرت لَهُ رَايَةٌ قَطُّ، وَقَدِ اسْتَدْعَى الزَّبِيدِيَّ مِنْ بَغْدَادَ حَتَّى سَمِعَ هُوَ وَالنَّاسُ عَلَيْهِ صَحِيحَ البخاري وغيره، وكان له ميل إِلَى الْحَدِيثِ وَأَهْلِهِ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ رآه بعض الناس وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ خُضْرٌ وَهُوَ يَطِيرُ مَعَ جَمَاعَةٍ من الصالحين، فقال: مَا هَذَا وَقَدْ كُنْتَ تُعَانِي الشَّرَابَ فِي الدُّنْيَا؟
فَقَالَ ذَاكَ الْبَدَنُ الَّذِي كُنَّا نَفْعَلُ به ذاك عندكم، وَهَذِهِ الرُّوحُ الَّتِي كُنَّا نُحِبُّ بِهَا هَؤُلَاءِ فَهِيَ مَعَهُمْ، وَلَقَدْ صَدَقَ رَحِمَهُ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» وَقَدْ كَانَ أَوْصَى بِالْمُلْكِ مِنْ بَعْدِهِ لِأَخِيهِ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَخُوهُ رَكِبَ فِي أُبَّهَةِ الْمُلْكِ وَمَشَى النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَرَكِبَ إِلَى جَانِبِهِ صَاحِبُ حِمْصَ وَعِزُّ الدِّينِ أَيْبَكُ الْمُعَظَّمِيُّ حَامِلٌ الْغَاشِيَةَ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ صَادَرَ جَمَاعَةً مِنَ الدَّمَاشِقَةِ الَّذِينَ قِيلَ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ مَعَ الْكَامِلِ، مِنْهُمُ العالم تَعَاسِيفُ وَأَوْلَادُ ابْنِ مُزْهِرٍ وَحَبَسَهُمْ بِبُصْرَى، وَأَطْلَقَ الحريري من قلعة عزاز، وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَدْخُلَ دِمَشْقَ، ثُمَّ قَدِمَ الْكَامِلُ مِنْ مِصْرَ وَانْضَافَ إِلَيْهِ النَّاصِرُ دَاوُدُ صَاحِبُ الْكَرَكِ وَنَابُلُسَ وَالْقُدْسِ، فَحَاصَرُوا دِمَشْقَ حصارا شديدا، وقد حصنها الصالح إسماعيل، وقطع الْمِيَاهُ وَرَدَّ الْكَامِلُ مَاءَ بَرَدَى إِلَى ثَوْرَا، وأحرقت العقبية وَقَصْرُ حَجَّاجٍ، فَافْتَقَرَ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَاحْتَرَقَ آخَرُونَ، وجرت خطوب طويلة، ثُمَّ آلَ الْحَالُ فِي آخِرِ جُمَادَى الْأُولَى إِلَى أَنْ سَلَّمَ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ دِمَشْقَ إِلَى أَخِيهِ الْكَامِلِ، عَلَى أَنَّ لَهُ بَعْلَبَكَّ وَبُصْرَى، وَسَكَنَ الْأَمْرُ، وَكَانَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى يَدَيِ الْقَاضِي مُحْيِي الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ، اتَّفَقَ أَنَّهُ كَانَ بِدِمَشْقَ قَدْ قَدِمَ فِي رَسْلِيَّةٍ مِنْ جِهَةِ الْخَلِيفَةِ إِلَى دِمَشْقَ فَجَزَاهُ اللَّهُ تَعَالَى خَيْرًا. وَدَخَلَ الْكَامِلُ دِمَشْقَ وَأَطْلَقَ الْفَلَكَ بْنَ الْمَسِيرِيِّ مِنْ سِجْنِ الْحَيَّاتِ بِالْقَلْعَةِ الَّذِي كَانَ أَوْدَعَهُ فِيهِ الْأَشْرَفُ، وَنُقِلَ الْأَشْرَفُ إِلَى تُرْبَتِهِ، وَأَمَرَ الْكَامِلُ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ سَادِسِ جُمَادَى الْآخِرَةِ أَئِمَّةَ الْجَامِعِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ أَحَدٌ مِنْهُمُ الْمَغْرِبَ سِوَى الْإِمَامِ الْكَبِيرِ، لِمَا كَانَ يَقَعُ مِنَ التَّشْوِيشِ وَالِاخْتِلَافِ بِسَبَبِ اجْتِمَاعِهِمْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، ولنعم ما فعل رحمه الله. وَقَدْ فُعِلَ هَذَا فِي زَمَانِنَا فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ، اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْإِمَامُ الْكَبِيرُ فِي الْمِحْرَابِ الْمُقَدَّمِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، ولم يبق به إمام يومئذ سِوَى الَّذِي بِالْحَلَبَيَّةِ عِنْدَ مَشْهَدِ عَلَيٍّ

نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير    جلد : 13  صفحه : 148
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست