responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير    جلد : 13  صفحه : 14
قَدِ انْقَطَعَتْ مِنَ الْحَيَاةِ عُلَقُهُمْ، وَعَمِيَتْ عَنِ النَّجَاةِ طُرُقُهُمْ، وَوَقَعَتِ الْفِكْرَةُ فِيمَا هُمْ عَلَيْهِ قادمون، وقاموا على صلاتهم وودوا لو كانوا من الذين عليها دائمون، إلى أن أذن بالركود، وأسعف الهاجدون بالهجود، فأصبح كل مسلم عَلَى رَفِيقِهِ، وَيُهَنِّيهِ بِسَلَامَةِ طَرِيقِهِ، وَيَرَى أَنَّهُ قَدْ بُعِثَ بَعْدَ النَّفْخَةِ، وَأَفَاقَ بَعْدَ الصَّيْحَةِ وَالصَّرْخَةِ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ رَدَّ لَهُ الْكَرَّةَ، وَأَحْيَاهُ بَعْدَ أَنْ كَادَ يَأْخُذُهُ عَلَى غِرَّةٍ، وَوَرَدَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّهَا قَدْ كَسَرَتِ الْمَرَاكِبَ فِي الْبِحَارِ، وَالْأَشْجَارَ فِي الْقِفَارِ، وَأَتْلَفَتْ خَلْقًا كَثِيرًا من السفار، ومنهم من فر فلا يَنْفَعْهُ الْفِرَارُ. إِلَى أَنْ قَالَ «وَلَا يَحْسَبُ المجلس أنى أرسلت القلم محرفا والعلم مجوفا، فَالْأَمْرُ أَعْظَمُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ، وَنَرْجُو أَنَّ الله قد أيقظنا بما به وعظنا، ونبهنا بما فيه ولهنا، فما من عباده إلا مَنْ رَأَى الْقِيَامَةَ عِيَانًا، وَلَمْ يَلْتَمِسْ عَلَيْهَا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ بُرْهَانًا، إِلَّا أَهْلُ بَلَدِنَا فَمَا قَصَّ الْأَوَّلُونَ مِثْلَهَا فِي الْمُثُلَاتِ، وَلَا سَبَقَتْ لَهَا سَابِقَةٌ فِي الْمُعْضِلَاتِ، وَالْحَمْدُ للَّه الَّذِي مِنْ فَضْلِهِ قَدْ جَعَلَنَا نُخْبِرُ عَنْهَا، ولا يخبر عَنَّا، وَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَصْرِفَ عَنَّا عَارِضَ الحرص والغرور، ولا يجعلنا من أهل الهلاك والثبور» .
وفيها كتب القاضي الفاضل من مصر إِلَى الْمَلِكِ الْعَادِلِ بِدِمَشْقَ يَحُثُّهُ عَلَى قِتَالِ الْفِرِنْجِ، وَيَشْكُرُهُ عَلَى مَا هُوَ بِصَدَدِهِ مِنْ مُحَارَبَتِهِمْ، وَحِفْظِ حَوْزَةِ الْإِسْلَامِ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْكُتُبِ «هَذِهِ الْأَوْقَاتُ الَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا عَرَائِسُ الْأَعْمَارِ، وَهَذِهِ النَّفَقَاتُ الَّتِي تَجْرِي عَلَى أَيْدِيكُمْ مُهُورُ الْحُورِ فِي دَارِ الْقَرَارِ، وَمَا أَسْعَدَ مَنْ أَوْدَعَ يَدَ اللَّهِ مَا فِي يَدَيْهِ، فَتِلْكَ نِعَمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَتَوْفِيقُهُ الَّذِي مَا كُلُّ مَنْ طَلَبَهُ وَصَلَ إليه، وسواد العجاج في هذه المواقف بباطن مَا سَوَّدَتْهُ الذُّنُوبُ مِنَ الصَّحَائِفِ، فَمَا أَسْعَدَ تلك الوقفات وما أعود بالطمأنينة تلك الرجعات» . وكتب أَيْضًا «أَدَامَ اللَّهُ ذَلِكَ الِاسْمَ تَاجًا عَلَى مَفَارِقِ الْمَنَابِرِ وَالطُّرُوسِ، وَحَيَّاةً لِلدُّنْيَا وَمَا فِيهَا من الأجساد والنفوس، وعرف المملوك مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي اقْتَضَتْهُ الْمُشَاهَدَةُ، وَجَرَتْ بِهِ العافية في سرور، ولا يزيد على سيبه الْحَالِ بِقَوْلِهِ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْمَرَءَ تَدْوَى يَمِينُهُ ... فَيَقْطَعُهَا عَمْدًا لِيَسْلَمَ سَائِرُهْ
وَلَوْ كَانَ فِيهَا تَدْبِيرٌ لَكَانَ مَوْلَانَا سَبَقَ إِلَيْهِ، وَمَنْ قَلَمَ مِنَ الْأُصْبَعِ ظُفْرًا فَقَدْ جَلَبَ إِلَى الْجَسَدِ بِفِعْلِهِ نَفْعًا، وَدَفَعَ عَنْهُ ضَرَرًا، وَتَجَشُّمُ المكروه ليس بضائر إذا كان ما جلبه سببا إلى المحمود، وآخر سنوه أَوَّلُ كُلِّ غَزْوَةٍ، فَلَا يَسْأَمْ مَوْلَانَا نِيَّةَ الرِّبَاطِ وَفِعْلَهَا، وَتَجَشُّمَ الْكُلَفِ وَحَمْلَهَا، فَهُوَ إِذَا صَرَفَ وَجْهَهُ إِلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ وَجْهُ الله، صرف الوجوه إليه كُلَّهَا وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ الله لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ 29: 69.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْهُدْنَةِ الَّتِي كَانَ عَقَدَهَا الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ لِلْفِرِنْجِ فَأَقْبَلُوا بحدهم وحديدهم، فَتَلَقَّاهُمُ الْمَلِكُ الْعَادِلُ بِمَرْجِ عَكَّا فَكَسَرَهُمْ وَغَنِمَهُمْ، وَفَتَحَ يَافَا عَنْوَةً وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَقَدْ كَانُوا كَتَبُوا إِلَى مَلِكِ الْأَلْمَانِ يَسْتَنْهِضُونَهُ لِفَتْحِ بَيْتِ الْمَقَدْسِ فَقَدَّرَ اللَّهُ هَلَاكَهُ سَرِيعًا، وَأَخَذَتِ الفرنج

نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير    جلد : 13  صفحه : 14
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست