responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير    جلد : 13  صفحه : 100
إِمَامٌ عَالِمٌ بَارِعٌ. لَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِهِ، بَلْ وَلَا قَبْلَ دَهْرِهِ بِمُدَّةٍ أَفْقَهُ مِنْهُ، وُلِدَ بْجَمَّاعِيلَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَقَدِمَ مَعَ أَهْلِهِ إِلَى دِمَشْقَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِينَ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ وَسَمِعَ الْحَدِيثَ الْكَثِيرَ، وَرَحَلَ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْعِرَاقِ إِحْدَاهُمَا فِي سنة إحدى وستين مع ابن عمه الْحَافِظِ عَبْدِ الْغَنِيِّ، وَالْأُخْرَى سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ، وَحَجَّ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، وَتَفَقَّهَ بِبَغْدَادَ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَبَرَعَ وَأَفْتَى وَنَاظَرَ وَتَبَحَّرَ فِي فُنُونٍ كَثِيرَةٍ، مَعَ زُهْدٍ وَعِبَادَةٍ وَوَرَعٍ وَتَوَاضُعٍ وَحُسْنِ أَخْلَاقٍ وُجُودٍ وَحَيَاءٍ وَحُسْنِ سَمْتٍ وَنُورٍ وَبَهَاءٍ وَكَثْرَةِ تِلَاوَةٍ وَصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَقِيَامٍ وَطَرِيقَةٍ حَسَنَةٍ وَاتِّبَاعٍ لِلسَّلَفِ الصَّالِحِ، وَكَانَتْ لَهُ أَحْوَالٌ وَمُكَاشَفَاتٌ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ الله تعالى: إن لم تكن العلماء العاقلون أَوْلِيَاءَ اللَّهِ فَلَا أَعْلَمُ للَّه وَلِيًّا، وَكَانَ يَؤُمُّ النَّاسَ لِلصَّلَاةِ فِي مِحْرَابِ الْحَنَابِلَةِ هُوَ وَالشَّيْخُ الْعِمَادُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ الْعِمَادُ اسْتَقَلَّ هُوَ بِالْوَظِيفَةِ، فَإِنْ غَابَ صَلَّى عَنْهُ أَبُو سُلَيْمَانَ ابن الحافظ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَافِظِ عَبْدِ الْغَنِيِّ، وَكَانَ يَتَنَفَّلُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ بِالْقُرْبِ مِنْ مِحْرَابِهِ، فَإِذَا صَلَّى الْعَشَاءَ انْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ بِدَرْبِ الدَّوْلَعِيِّ بِالرَّصِيفِ وَأَخَذَ مَعَهُ مِنَ الْفُقَرَاءِ مَنْ تَيَسَّرَ يَأْكُلُونَ مَعَهُ مِنْ طَعَامِهِ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ الْأَصْلِيُّ بقاسيون فينصرف بَعْضِ اللَّيَالِي بَعْدَ الْعَشَاءِ إِلَى الْجَبَلِ، فَاتَّفَقَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي أَنْ خَطِفَ رَجُلٌ عِمَامَتَهُ وَكَانَ فِيهَا كَاغِدٌ فِيهِ رَمْلٌ، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: خُذِ الْكَاغِدَ وَأَلْقِ الْعِمَامَةَ، فَظَنَّ الرَّجُلُ أن ذلك نفقة فأخذه وألقى العمامة.
وهذا يدل على ذكاء مفرط واستخصار حَسَنٍ فِي السَّاعَةِ الرَّاهِنَةِ، حَتَّى خَلَّصَ عِمَامَتَهُ مِنْ يَدِهِ بِتَلَطُّفٍ.
وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ عَدِيدَةٌ مَشْهُورَةٌ، مِنْهَا الْمُغْنِي فِي شَرَحِ مُخْتَصَرِ الْخِرَقِيِّ فِي عشرة مجلدات، والشافي في مجلدين والمقنع للحفظ، والروضة فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ التَّصَانِيفِ الْمُفِيدَةِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي يَوْمِ عِيدِ الْفِطْرِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَدْ بَلَغَ الثَّمَانِينَ، وَكَانَ يَوْمَ سَبْتٍ وَحَضَرَ جَنَازَتَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَدُفِنَ بِتُرْبَتِهِ الْمَشْهُورَةِ، وَرُئِيَتْ لَهُ مَنَامَاتٌ صَالِحَةٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَانَ لَهُ أَوْلَادٌ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ، فلما كان حيا ماتوا فِي حَيَاتِهِ. وَلَمْ يُعْقِبْ مِنْهُمْ سِوَى ابْنِهِ عِيسَى وَلَدَيْنِ ثُمَّ مَاتَا وَانْقَطَعَ نَسْلُهُ، قَالَ أَبُو الْمُظَفَّرِ سِبْطُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ: نَقَلْتُ مِنْ خط الشيخ موفق رحمه الله تعالى:
لا تجلسن بباب من ... يأبى عليك وصول داره
وتقول حاجاتي إليه ... يَعُوقُهَا إِنْ لَمْ أُدَارِهْ
وَاتْرُكْهُ وَاقْصِدْ رَبَّهَا ... تُقْضَى وَرَبُّ الدَّارِ كَارِهْ
وَمِمَّا أَنْشَدَهُ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ لِنَفْسِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُ قَوْلُهُ:
أَبَعْدَ بَيَاضِ الشَّعْرِ أَعْمُرُ مَسْكَنًا ... سِوَى الْقَبْرِ، إِنِّي إِنْ فَعَلْتُ لَأَحْمَقُ
يُخَبِّرُنِي شيبى بأنى ميت ... وشيكا، فينعانى إِلَيَّ وَيَصْدُقُ
يُخَرَّقُ عُمْرِي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ... فهل مستطاع رَقْعَ مَا يَتَخَرَّقُ

نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير    جلد : 13  صفحه : 100
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست