responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير    جلد : 10  صفحه : 83
على ما سنبينه إن شاء الله. أَمَّا مُحَمَّدٌ فَإِنَّهُ خَرَجَ عَلَى إِثْرِ ذَهَابِ أبى جعفر المنصور بأهله بنى حَسَنٍ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْعِرَاقِ عَلَى الصِّفَةِ وَالنَّعْتِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَسَجَنَهُمْ فِي مَكَانٍ ساء مستقرا ومقاما، لا يسمعون فيه أذانا ولا يعرفون فيه دخول أوقات صلوات إلا بالأذكار والتلاوة. وَقَدْ مَاتَ أَكْثَرُ أَكَابِرِهِمْ هُنَالِكَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ. هذا كله ومحمد الّذي يطلبه مُخْتَفٍ بِالْمَدِينَةِ، حَتَّى إِنَّهُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ اختفى في بئر نزل في مائة كله إلا رَأْسِهِ، وَبَاقِيهِ مَغْمُورٌ بِالْمَاءِ، وَقَدْ تَوَاعَدَ هُوَ وأخوه وقتا معينا يظهران فيه، هو بالمدينة وإبراهيم بالبصرة، ولم يزل الناس- أهل المدينة وغيرهم- يُؤَنِّبُونَ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فِي اخْتِفَائِهِ وَعَدَمِ ظُهُورِهِ حَتَّى عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ، وَذَلِكَ لما أضرّ به شدة الاختفاء وكثرة إِلْحَاحِ رِيَاحٍ نَائِبِ الْمَدِينَةِ فِي طَلَبِهِ لَيْلًا ونهارا، فلما اشتد به الأمر وضاق الحال واعد أَصْحَابَهُ عَلَى الظُّهُورِ فِي اللَّيْلَةِ الْفُلَانِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ جَاءَ بَعْضُ الْوُشَاةِ إِلَى متولى المدينة فأعلمه بذلك، فضاق ذرعا وانزعج لذلك انزعاجا شديدا، وركب في جحافلة فطاف بالمدينة وحول دار مروان، وهم مجتمعون بها، فَلَمْ يَشْعُرْ بِهِمْ. فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ بَعَثَ إِلَى بَنِي حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ فَجَمَعَهُمْ وَمَعَهُمْ رُءُوسٌ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ، فَوَعَظَهُمْ وَأَنَّبَهُمْ وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَتَطَلَّبُ هَذَا الرَّجُلَ فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ وهو بين أظهركم، ثم ما كفاكم حَتَّى بَايَعْتُمُوهُ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ؟ وَاللَّهِ لَا يبلغني عن أحد منكم خَرَجَ مَعَهُ إِلَّا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ. فَأَنْكَرَ الَّذِينَ هم هنالك حاضرون أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ أَوْ شُعُورٌ بِشَيْءٍ من هذا، وقالوا: نحن نأتيك برجال مسلحين يُقَاتِلُونَ دُونَكَ إِنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.
فنهضوا فجاءوه بجماعة مسلحين فَاسْتَأْذَنُوهُ فِي دُخُولِهِمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لَا إِذَنْ لَهُمْ، إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَدِيعَةً. فَجَلَسَ أُولَئِكَ عَلَى الْبَابِ وَمَكَثَ النَّاسُ جُلُوسًا حَوْلَ الْأَمِيرِ وَهُوَ وَاجِمٌ لَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ مَا فُجِئَ النَّاسُ إِلَّا وَأَصْحَابُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَدْ ظَهَرُوا وَأَعْلَنُوا بِالتَّكْبِيرِ، فَانْزَعَجَ الناس في جوف الليل، وأشار بعض الناس على الأمير أن يضرب أعناق بنى حسين، فقال أحدهم: علام ونحن مقرون بالطاعة؟ وَاشْتَغَلَ الْأَمِيرُ عَنْهُمْ بِمَا فَجَأَهُ مِنَ الْأَمْرِ، فَاغْتَنَمُوا الْغَفْلَةَ وَنَهَضُوا سِرَاعًا فَتَسَوَّرُوا جِدَارَ الدَّارِ وَأَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ عَلَى كُنَاسَةٍ هُنَالِكَ.
وَأَقْبَلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ فِي مِائَتَيْنِ وخمسين، فَمَرَّ بِالسِّجْنِ فَأَخْرَجَ مَنْ فِيهِ، وَجَاءَ دَارَ الامارة فحاصرها فافتتحها ومسك الأمير رِيَاحِ بْنِ عُثْمَانَ نَائِبِ الْمَدِينَةِ فَسَجَنَهُ فِي دَارِ مَرْوَانَ، وَسَجَنَ مَعَهُ ابْنَ مُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ، وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ بِقَتْلِ بَنِي حُسَيْنٍ فِي أَوَّلِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَنَجَوْا وَأُحِيطَ بِهِ. وأصبح مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ وَقَدِ اسْتَظْهَرَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَدَانَ لَهُ أَهْلُهَا، فَصَلَّى بالناس الصبح وقرأ فيها سورة إنا فتحنا لك فتحا مبينا. وَأَسْفَرَتْ هَذِهِ اللَّيْلَةُ عَنْ مُسْتَهَلِّ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ. وَقَدْ خَطَبَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله أَهْلَ الْمَدِينَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ، فَتَكَلَّمَ فِي بَنِي الْعَبَّاسِ وَذَكَرَ عَنْهُمْ أَشْيَاءَ ذَمَّهُمْ

نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير    جلد : 10  صفحه : 83
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست