responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير    جلد : 10  صفحه : 298
لِمُسْلِمٍ، وَكَانَ فِي كُلِّ شَعْرَةٍ مِنْهُ عَقْلٌ. وَلَوْ قُسِّمَ عَقْلُهُ عَلَى أَهْلِ بَغْدَادَ لَصَارُوا عُقَلَاءَ وَمَا نَقَصَ مِنْ عَقْلِهِ شَيْءٌ. وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ بِشْرًا كَانَ شَاطِرًا فِي بَدْءِ أَمْرِهِ، وَأَنَّ سَبَبَ تَوْبَتِهِ أَنَّهُ وَجَدَ رُقْعَةً فِيهَا اسْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَتُونِ حَمَّامٍ فَرَفَعَهَا وَرَفَعَ طَرَفَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: سَيِّدِي اسْمُكَ هَاهُنَا مُلْقًى يُدَاسُ! ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى عَطَّارٍ فَاشْتَرَى بِدِرْهَمٍ غَالِيَةً وَضَمَّخَ تِلْكَ الرُّقْعَةَ مِنْهَا وَوَضَعَهَا حَيْثُ لَا تُنَالُ، فَأَحْيَا اللَّهُ قَلْبَهُ وَأَلْهَمَهُ رُشْدَهُ وَصَارَ إِلَى مَا صَارَ إِلَيْهِ مِنَ الْعِبَادَةِ وَالزَّهَادَةِ.
وَمِنْ كلامه: من أحب الدنيا فليتهيأ الذل. وَكَانَ بِشْرٌ يَأْكُلُ الْخُبْزَ وَحْدَهُ فَقِيلَ لَهُ: أما لك أدم؟
فقال: بلى أَذْكُرُ الْعَافِيَةَ فَأَجْعَلُهَا أُدْمًا. وَكَانَ لَا يَلْبَسُ نعلا بل يمشى حافيا، فجاء يوما إلى باب فطرقه فقيل من ذا؟ فقال: بشر الحافى. فقالت له جارية صغيرة لو اشترى نعلا بدرهم لذهب عنه اسم الحافى [1] . قَالُوا: وَكَانَ سَبَبُ تَرْكِهِ النَّعْلَ أَنَّهُ جَاءَ مرة إِلَى حَذَّاءٍ، فَطَلَبَ مِنْهُ شِرَاكًا لِنَعْلِهِ فَقَالَ:
ما أكثر كلفتكم يا فقراء عَلَى النَّاسِ؟! فَطَرَحَ النَّعْلَ مِنْ يَدِهِ وَخَلَعَ الْأُخْرَى مِنْ رِجْلِهِ وَحَلَفَ لَا يَلْبَسُ نَعْلًا أَبَدًا.
قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ: وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَقِيلَ فِي رَمَضَانَ بِبَغْدَادَ، وَقِيلَ بِمَرْوَ. قُلْتُ:
الصَّحِيحُ بِبَغْدَادَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَقِيلَ فِي سَنَةِ سِتَّ وَعِشْرِينَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَحِينَ مَاتَ اجْتَمَعَ فِي جِنَازَتِهِ أَهْلُ بغداد عن بكرة أبيهم، فأخرج بَعْدِ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَلَمْ يَسْتَقِرَّ فِي قَبْرِهِ إلا بعد العتمة. وكان على المدائني وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ يَصِيحُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ فِي الْجِنَازَةِ: هَذَا وَاللَّهِ شَرَفُ الدُّنْيَا قَبْلَ شرف الآخرة. وقد روى أَنَّ الْجِنَّ كَانَتْ تَنُوحُ عَلَيْهِ فِي بَيْتِهِ الّذي كان يسكنه. وَقَدْ رَآهُ بَعْضُهُمْ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ فَقَالَ غَفَرَ لِي وَلِكُلِّ مَنْ أَحَبَّنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَذَكَرَ الْخَطِيبُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَخَوَاتٌ ثَلَاثٌ وَهُنَّ: مَخَّةُ. وَمُضْغَةُ، وَزُبْدَةُ. وَكُلُّهُنَّ عَابِدَاتٌ زَاهِدَاتٌ مِثْلَهُ وَأَشَدُّ ورعا أيضا. ذهبت إحداهن إلى الإمام أحمد بن حنبل فَقَالَتْ: إِنِّي رُبَّمَا طَفِئَ السِّرَاجُ وَأَنَا أَغْزِلُ على ضوء القمر فهل على عِنْدَ الْبَيْعِ أَنْ أُمَيِّزَ هَذَا مِنْ هَذَا؟ فقال: إن كان بينهما فرق فميزى للمشتري.
وَقَالَتْ لَهُ مَرَّةً إِحْدَاهُنَّ: رُبَّمَا تَمُرُّ بِنَا مَشَاعِلُ بَنِي طَاهِرٍ فِي اللَّيْلِ وَنَحْنُ نَغْزِلُ فَنَغْزِلُ الطَّاقَ وَالطَّاقَيْنِ وَالطَّاقَاتِ فَخَلِّصْنِي مِنْ ذَلِكَ. فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ الْغَزْلِ كُلِّهِ لِمَا اشْتَبَهَ عَلَيْهَا مِنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ. وَسَأَلَتْهُ عَنْ أَنِينِ الْمَرِيضِ أَفِيهِ شَكْوَى؟ قَالَ لَا! إِنَّمَا هُوَ شَكْوَى إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. ثُمَّ خَرَجَتْ فَقَالَ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: يَا بُنَيَّ اذْهَبْ خَلْفَهَا فَاعْلَمْ لِي مَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَذَهَبْتُ وَرَاءَهَا فَإِذَا هي قد دخلت دار بشر، وإذا هي أخته مخة.
وروى الخطيب أَيْضًا عَنْ زُبْدَةَ قَالَتْ: جَاءَ لَيْلَةً أَخِي بشر فدخل برجله في الدار وبقيت

[1] في المصرية: ما وجد دَانِقَيْنِ يَشْتَرِي بِهِمَا نَعْلًا وَيَسْتَرِيحُ مِنْ هَذَا الاسم؟.
نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير    جلد : 10  صفحه : 298
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست