responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير    جلد : 10  صفحه : 280
ثُمَّ وَدَّعَهَا وَسَارَ فَمَرِضَتِ الْجَارِيَةُ فِي غَيْبَتِهِ هذه، ومات المأمون أيضا في غيبته هذه، فَلَمَّا جَاءَ نَعْيُهُ إِلَيْهَا تَنَفَّسَتِ الصُّعَدَاءَ وَحَضَرَتْهَا الْوَفَاةُ وَأَنْشَأَتْ تَقُولُ وَهِيَ فِي السِّيَاقِ:
إِنَّ الزمان سقانا من مرارته ... بعد الحلاوة كاسات فَأَرْوَانَا
أَبْدَى لَنَا تَارَةً مِنْهُ فَأَضْحَكَنَا ... ثُمَّ انْثَنَى تَارَةً أُخْرَى فَأَبْكَانَا
إِنَّا إِلَى اللَّهِ فِيمَا لَا يَزَالُ بِنَا ... مِنَ الْقَضَاءِ وَمِنْ تَلْوِينِ دُنْيَانَا
دُنْيَا تَرَاهَا تُرِينَا مِنْ تَصَرُّفِهَا ... مَا لَا يَدُومُ مُصَافَاةً وَأَحْزَانَا
وَنَحْنُ فِيهَا كأنا لا يزايلنا ... للعيش أحيا وما يبكون موتانا
كانت وَفَاةُ الْمَأْمُونِ بِطَرَسُوسَ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ وَقْتَ الظُّهْرِ وَقِيلَ بَعْدَ الْعَصْرِ، لِثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً بَقِيَتْ مِنْ رَجَبٍ مِنْ سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ، وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَكَانَتْ مُدَّةُ خِلَافَتِهِ عِشْرِينَ سَنَةً وَأَشْهُرًا، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَخُوهُ الْمُعْتَصِمُ وَهُوَ وَلِيُّ الْعَهْدِ مِنْ بَعْدِهِ، وَدُفِنَ بِطَرَسُوسَ فِي دَارِ خَاقَانَ الْخَادِمِ، وَقِيلَ كَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وقيل يوم الأربعاء لثمان بقين مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ. وَقِيلَ إِنَّهُ مَاتَ خَارِجَ طَرَسُوسَ بِأَرْبَعِ مَرَاحِلَ فَحُمِلَ إِلَيْهَا فَدُفِنَ بِهَا، وقيل إنه نقل إلى أذنة في رمضان فدفن بها فاللَّه أعلم. وقد قال أبو سعيد المخزومي: -
هل رأيت النجوم أغنت عن المأمون ... شيئا أو مُلْكِهِ الْمَأْسُوسِ
خَلَّفُوهُ بِعَرْصَتَيْ طَرَسُوسَ ... مِثْلَ مَا خَلَّفُوا أَبَاهُ بِطُوسِ
وَقَدْ كَانَ أَوْصَى إِلَى أخيه المعتصم وكتب وصيته بحضرته وبحضرة ابْنِهِ الْعَبَّاسِ وَجَمَاعَةِ الْقُضَاةِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْوُزَرَاءِ وَالْكُتَّابِ. وَفِيهَا الْقَوْلُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَلَمْ يَتُبْ مِنْ ذلك بل مات عليه وانقطع عَمَلُهُ وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ وَلَمْ يَتُبْ مِنْهُ، وَأَوْصَى أَنْ يُكَبِّرَ عَلَيْهِ الّذي يصلى عليه خمسا، واوصى الْمُعْتَصِمَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ، وأوصاه أن يَعْتَقِدَ مَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ أَخُوهُ الْمَأْمُونُ فِي الْقُرْآنِ، وَأَنْ يَدْعُوَ النَّاسَ إِلَى ذَلِكَ، وَأَوْصَاهُ بعبد الله بن طاهر وأحمد بن إبراهيم وأحمد بن أبى داود، وقال شاوره في أمورك ولا تفارقه، وإياك ويحيى بن أكثم أن تصحبه، ثم نهاه عَنْهُ وَذَمَّهُ وَقَالَ: خَانَنِي وَنَفَّرَ النَّاسَ عَنِّي فَفَارَقْتُهُ غَيْرَ رَاضٍ عَنْهُ. ثُمَّ أَوْصَاهُ بِالْعَلَوِيِّينَ خَيْرًا، أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيَتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَأَنْ يُوَاصِلَهُمْ بِصِلَاتِهِمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ لِلْمَأْمُونِ تَرْجَمَةً حَافِلَةً أورد فيها أشياء كثيرة لم يذكرها ابْنُ عَسَاكِرَ مَعَ كَثْرَةِ مَا يُورِدُهُ، وَفَوْقَ كل ذي علم عليم.
ذكر خلافة المعتصم باللَّه أبى إسحاق بن هارون
بُويِعَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ يَوْمَ مَاتَ أَخُوهُ الْمَأْمُونُ بطرسوس يوم الخميس الثاني عَشَرَ مِنْ رَجَبٍ مِنْ سَنَةِ

نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير    جلد : 10  صفحه : 280
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست