responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البداية والنهاية - ط إحياء التراث نویسنده : ابن كثير    جلد : 6  صفحه : 77
الأرض] من الملتين، أهل الكتاب وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُقَلَاءِ الْيُونَانِ وَالْهِنْدِ وَالْفَرَسِ وَالْقِبْطِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْنَافِ بَنِي آدَمَ فِي سَائِرِ الأقطار والأمصار.
وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ: أَنَّ الْإِعْجَازَ إِنَّمَا هُوَ مَنْ صَرْفِ دَوَاعِي الْكَفَرَةِ عَنْ معارضته مع إنكار ذلك، أو هو سلب قدرتهم عَلَى ذَلِكَ، فَقَوْلٌ بَاطِلٌ وَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ، خَلَقَهُ اللَّهُ فِي بَعْضِ الْأَجْرَامِ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ مَخْلُوقٍ ومخلوق، وقولهم: هذا كفر وباطل وليس مطابقاً لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، بَلِ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، تكلَّم بِهِ كَمَا شَاءَ تَعَالَى وتقدَّس وَتَنَزَّهَ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، فالخلق كلهم عاجزون حقيقة وفي نَفْسِ الْأَمْرِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ وَلَوْ تَعَاضَدُوا وتناصروا عَلَى ذَلِكَ، بَلْ لَا تَقْدِرُ الرُّسل الَّذِينَ هم أفصح الخلق وأعظم الْخَلْقِ وَأَكْمَلُهُمْ، أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِمِثْلِ كَلَامِ اللَّهِ وَهَذَا الْقُرْآنُ [الَّذِي] يُبَلِّغُهُ الرَّسول صلَّى اللَّهُ عليه وسلم عن الله، أسلوب كلامه لَا يُشْبِهُ أَسَالِيبَ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلَّم، وأساليب كلامه عليه السلام الْمَحْفُوظَةُ عَنْهُ بالسَّند الصَّحيح إِلَيْهِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحابة وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يَتَكَلَّمَ
بِمِثْلِ أَسَالِيبِهِ فِي فَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ، فِيمَا يرويه من المعاني بألفاظه الشَّريفة، بل وأسلوب كلام الصَّحابة أَعْلَى مِنْ أَسَالِيبِ كَلَامِ التَّابعين، وهلمَّ جَرًّا إلى زماننا.
[و] علماء السَّلف أفصح وأعلم، وأقلّ تكلفاً، فيما يرونه مِنَ الْمَعَانِي بِأَلْفَاظِهِمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْخَلَفِ وَهَذَا يَشْهَدُهُ مَنْ لَهُ ذَوْقٌ بِكَلَامِ النَّاس كَمَا يُدْرَكُ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَ أَشْعَارِ الْعَرَبِ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَبَيْنَ أَشْعَارِ الْمُوَلَّدِينَ الَّذِينَ كَانُوا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلِهَذَا جَاءَ الْحَدِيثُ الثَّابت فِي هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ فِيمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَائِلًا: [حدَّثنا] حَجَّاجٌ، ثَنَا لَيْثٌ، حدَّثني سَعِيدُ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم قَالَ: مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحَيًّا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ [1] .
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ بِهِ.
وَمَعْنَى هذا أنَّ الأنبياء عليهم السَّلام كُلٌّ مِنْهُمْ قَدْ أُوتِيَ مِنَ الْحُجَجِ والدَّلائل عَلَى صِدْقِهِ وَصِحَّةِ مَا جَاءَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَحُجَّةٌ لِقَوْمِهِ الَّذِينَ بُعِثَ إِلَيْهِمْ سَوَاءٌ آمَنُوا بِهِ فَفَازُوا بِثَوَابِ إِيمَانِهِمْ أَوْ جَحَدُوا فَاسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ، وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ، أَيْ جلَّه وَأَعْظَمُهُ، الْوَحْيُ الَّذِي أَوْحَاهُ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ، الحجَّة الْمُسْتَمِرَّةُ الدَّائمة الْقَائِمَةُ فِي زَمَانِهِ وَبَعْدَهُ، فإنَّ الْبَرَاهِينَ الَّتِي كَانَتْ لِلْأَنْبِيَاءِ انْقَرَضَ زَمَانُهَا فِي حَيَاتِهِمْ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا الْخَبَرُ عَنْهَا، وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَهُوَ حجَّة قَائِمَةٌ كَأَنَّمَا يَسْمَعُهُ السَّامع مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحُجَّةُ اللَّهِ قَائِمَةٌ بِهِ فِي حَيَّاتِهِ عليه السلام وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَيْ لِاسْتِمْرَارِ مَا آتَانِيَ اللَّهُ مِنَ الحجَّة الْبَالِغَةِ وَالْبَرَاهِينِ الدَّامغة، فَلِهَذَا يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرَ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا.

[1] أخرجه البخاري في فضائل القرآن حديث 4981.
وأعاده في الاعتصام عن عبد العزيز بن عبد الله.
وأخرجه مسلم في الإيمان (71) باب.
حديث 239 ص 1 / 134 عن قتيبة بن سعيد.
والامام أحمد في مسنده ج 2 / 341، 451.
(*)
نام کتاب : البداية والنهاية - ط إحياء التراث نویسنده : ابن كثير    جلد : 6  صفحه : 77
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست