فسار في طلبهم يومين حتى لحقهم، فوقفوا له، فاقتتلوا يوما كله، ثم غدوا في اليوم الثانى على الحرب، فناداهم عبد ربه: يا معشر المهاجرين، روحوا بنا الى الجنه، فان القوم رائحون الى النار.
فاطعنوا بالرماح حتى تكسرت، واضطربوا بالسيوف حتى تقطعت، ثم صاروا الى المعانقه، فترجل المهلب في حماته، وحمل عليهم، وهو يتلو قول الله عز وجل: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [1] .
فلم يزالوا يقتتلون حتى حال بينهم الليل، ثم غدوا على الحرب، وقد كسرت الخوارج جفون سيوفهم، وحلقوا رءوسهم، فاقتتلوا، فقتل عبد ربه، وجميع ابطاله، ولم يبق الا ضعفاؤهم، فدخلوا في عسكر المهلب، وانضم كل رجل الى عشيرته من اصحاب المهلب.
فنزل المهلب عن فرسه، وقال الحمد لله الذى ردنا الى الأمن، وكفانا مئونه الحرب، وكفى امر هذا العدو.
ووجه بشر بن مالك الحرسى الى الحجاج يبشره بالفتح، وكتب معه كتاب الظفر.
فلما وصل الكتاب الى الحجاج وجه به الى عبد الملك، وقام بشر بن مالك، فأنشأ يقول:
قد حسمنا داء الازارقه الدهر ... ، فاضحوا طرا، كال ثمود
بطعان الكماة في ثغر القوم ... وضرب يشيب راس الوليد
كلما شئت راعنى قطري ... فوق عبل الشوى أقب عنود [2] .
معلما يضرب الكتيبة بالسيف ... ، وعمرو «كالنار ذاتِ الْوَقُودِ» [1] سوره البقره الآية: 193. [2] عبل الشورى اى قوى اليدين والرجلين والفرس الأقب هو الضامر البطن والعنود من الإبل والدواب المتقدمة في السير