فاغتاظ ابن زياد من ذلك، فكان لا يدع بالبصرة أحدا ممن يتهم براى الخوارج الا قتله، حتى قتل بالتهمة والظنه تسعمائة رجل.
ولم يزل يتفاقم امر الخوارج، ويتحلب اليهم من كان على رأيهم وهواهم من اهل البصره حتى كثروا بعد موت يزيد، وهرب عبيد الله بن زياد من العراق.
وخاف اهل البصره الخوارج على انفسهم، ولم يكن يومئذ عليهم سلطان، فاجتمعوا على مسلم بن عبيس القرشي، ووجهوا معه خمسه آلاف فارس من ابطال البصره، فسار اليهم، فلحقهم بمكان يسمى الدولاب [1] فالتقوا واقتتلوا، وصبر بعضهم لبعض، حتى تكسرت الرماح وتقطعت السيوف، وصاروا الى المكادمة، فقتل مسلم بن عبيس، وانهزم اصحابه.
فقال رجل من الأزد:
قد رمينا العدو إذ عظم الخطب ... بذى الجود مسلم بن عبيس
فانظروا غير مسلم بن عبيس ... فاطلبوه من حيث اين وليس [2]
لو رموا بالمهلب بن ابى صفره ... كانوا له كاكله حيس [3]
وكان المهلب يومئذ بخراسان على ولايتها.
فخاف اهل البصره حين قتل مسلم بن عبيس خوفا شديدا من الخوارج، فاختاروا عثمان بن معمر القرشي، وانتدب معه زهاء عشره آلاف رجل من ابطالهم، فسار بهم عثمان في طلب الخوارج، فلحقهم بفارس، فاقتتلوا، فقتل عثمان، وانهزم اصحابه.
فكتب اهل البصره الى عبد الله بن الزبير يعلمونه انه لا امام لهم، ويسالونه ان يوجه اليهم رجلا من قبله يتولى الأمر. [1] من قرى الري.
[2] اى من حيث هو ولا هو.
[3] الحيس تمر يخلط بسمن ومخيض غنم، فيعجن شديدا، ثم يندر منه نواه.