وانى ناظر لكم كنظرى لنفسي، وارى رايا فلا تردوا على رأيي، ان الذى تكرهون من الجماعه افضل مما تحبون من الفرقة، وارى اكثركم قد نكل عن الحرب، وفشل عن القتال، ولست ارى ان احملكم على ما تكرهون.
فلما سمع اصحابه ذلك نظر بعضهم الى بعض، فقال من كان معه ممن يرى راى الخوارج: كفر الحسن كما كفر أبوه من قبله، فشد عليه نفر منهم، فانتزعوا مصلاه من تحته، وانتهبوا ثيابه حتى انتزعوا مطرفه [1] عن عاتقه، فدعا بفرسه، فركبها، ونادى: اين ربيعه وهمدان؟ فتبادروا اليه، ودفعوا عنه القوم.
ثم ارتحل يريد المدائن، فكمن له رجل ممن يرى راى الخوارج، يسمى الجراح بن قبيصة من بنى اسد بمظلم ساباط، فلما حاذاه الحسن قام اليه بمغول [2] فطعنه في فخذه. وحمل على الأسدي عبد الله بن خطل وعبد الله بن ظبيان، فقتلاه.
ومضى الحسن رضى الله عنه مثخنا حتى دخل المدائن، ونزل القصر الأبيض، وعولج حتى برا، واستعد للقاء ابن عامر.
واقبل معاويه حتى وافى الأنبار، وبها قيس بن سعد بن عباده من قبل الحسن فحاصره معاويه، وخرج الحسن فواقف عبد الله بن عامر، فنادى عبد الله بن عامر: يا اهل العراق، انى لم أر القتال، وانما انا مقدمه معاويه، وقد وافى الأنبار في جموع اهل الشام فاقرؤوا أبا محمد يعنى الحسن منى السلام، وقولوا له: أنشدك الله في نفسك وانفس هذه الجماعه التي معك.
فلما سمع ذلك الناس انخذلوا وكرهوا القتال، وترك الحسن الحرب، وانصرف الى المدائن، وحاصره عبد الله بن عامر بها. [1] المطرف واحد المطارف وهي ارديه من خز مربعه لها اعلام. [2] المغول: سوط في جوفه سيف دقيق يشده الفاتك على وسطه ليغتال به الناس.