فقال: ويحكم، افرارا واعتذارا؟! ان لم تقاتلوا على الدين، فقاتلوا على الاحساب، احملوا معى. فحمل وحملوا، فقاتل حتى قتل، وهو امامهم، وحمل الناس جميعا بعضهم على بعض، واقتتلوا حتى تكسرت الرماح وتقطعت السيوف، ثم تكادموا [1] . بالأفواه، وتحاثوا بالتراب، ثم تنادوا من كل جانب: يا معشر العرب، من للنساء والأولاد، الله الله في الحرمات.
وان عليا رضى الله عنه لينغمس في القوم، فيضرب بسيفه حتى ينثني، ثم يخرج متخضبا بالدم حتى يسوى له سيفه، ثم يرجع، فينغمس فيهم، وربيعه لا تترك جهدا في القتال معه والصبر، وغابت الشمس، وقربوا من معاويه، فقال لعمرو: ما ترى؟ قال: ان تخلى سرادقك.
فنزل معاويه عن المنبر الذى كان يكون عليه، واخلى السرادق، واقبلت ربيعه، وامامها على رضى الله عنه حتى غشوا السرادق، فقطعوه، ثم انصرفوا، وبات على تلك الليلة في ربيعه.
مقتل هاشم بن عتبة بن ابى وقاص المرقال
فلما اصبح على غادى [2] اهل الشام القتال، ودفع رايته العظمى الى هاشم بن عتبة، فقاتل بها نهاره كله، فلما كان العشى انكشف اصحابه انكشافه، وثبت هاشم في اهل الحفاظ منهم والنجده، فحمل عليهم الحارث بن المنذر التنوخي، فطعنه طعنه جائفة [3] ، فلم ينته عن القتال، ووافاه رسول على يأمره ان يقدم رايته، فقال للرسول: انظر الى ما بي فنظر الى بطنه، فرآه منشقا، فرجع الى على، فاخبره، ولم يلبث هاشم ان سقط، وجال اصحابه عنه، وتركوه بين القتلى، فلم يلبث ان مات. وحال الليل بين الناس وبين القتال. [1] عض بعضهم بعضا [2] باكرهم. [3] قاتله، وجافه اى صرعه، لغة في جعفه.