وكاثرتهم العرب، فخرجت الفرس من الشريعه، وخرج المسلمون، وقاتلوهم مليا، وانهزمت العجم حتى دخلت المدائن، فتحصنوا فيها، واناخ المسلمون عليهم مما يلى دجلة، فلما نظر خرزاد الى ذلك خرج من الباب الشرقى ليلا في جنوده نحو جلولاء، واخلى المدائن، فدخلها المسلمون، فأصابوا فيها غنائم كثيره، ووقعوا على كافور [1] كثير، فظنوه ملحا، فجعلوه في خبزهم، فامر عليهم.
وقال مخنف بن سليم: لقد سمعت في ذلك اليوم رجلا ينادى: من يأخذ صحفه حمراء بصحفه بيضاء. لصحفه من ذهب لا يعلم ما هي.
وكتب سعد الى عمر رضى الله عنه بالفتح، واقبل علج [2] من اهل المدائن الى سعد، فقال: انا ادلكم على طريق، تدركون فيه القوم قبل ان يمعنوا في السير. فقدمه سعد امامه، واتبعته الخيل، فقطع بهم مخائض وصحارى.
موقعه جلولاء
ثم ان خرزاد لما انتهى الى جلولاء [3] اقام بها، وكتب الى يزدجرد، وهو بحلوان، يسأله المدد، فامده، فخندق على نفسه، ووجهوا بالذراري والاثقال الى خانقين [4] ، ووجه سعد اليهم بخيل، وولى عليها عمرو بن مالك بن نجبه بن نوفل بن وهب بن عبد مناف بن زهره، فسار حتى وافى جلولاء، والعجم مجتمعون قد خندقوا على انفسهم. فنزل المسلمون قريبا من معسكرهم، وجعلت الامداد تقدم على العجم من الجبل، وأصبهان.
فلما راى المسلمون ذلك قالوا لاميرهم عمرو بن مالك: ما تنتظر بمناهضه القوم، [1] الكافور: نبات له نور ابيض. [2] العلج: الرجل من كفار العجم. [3] جلولاء: مدينه في العراق على طريق خراسان، وعندها انتصر العرب على جيش ملك ساسان. [4] خانقين: بلده في العراق على الطريق بين بغداد وخراسان على نهر خلوان تشاى وفيها اعتقل ومات النعمان الخامس ملك الحيرة على عهد كسرى الثانى، وعندها حدثت وقعه بين الفرس والعرب.