الشدّة عليهم في سوء سيرتهم فإنّي رأيت سوء السيرة قد [178 ب] شملتهم، فكرهت أن أعنف على جماعتهم، وهم يدي على عدوي، فيفسد ذلك بصائرهم ويقبلوا عليّ بعداوتهم دون عداوة عدوّهم، ولعلّ إفراط أمير المؤمنين في عقوبته وتنكيله قد أفسد عليه قلوب أهل دولته، وحملهم على التقصير في نصرته. وأمّا ما ذكر أمير المؤمنين من اشتمالي على فيء المسلمين ولعمري أنّ في عمالتي وأرزاقي لما يغنيني عن ذلك، ومنزلي من قنّسرين بحيث قد علمه أمير المؤمنين، وهو في إطلاله عليه وقربه منه بحيث لا مئونة عليه في تفتيشه والتنقيب عما ذكر له فيه، فليبعث أمير المؤمنين من يثق بدينه وصحته فيبحث عن ذلك ويبالغ في التفتيش عنه، وليس ما استقصر أمير المؤمنين من عملي وأساء ظنّا بي بمزيلي عن طاعته ولا مكدّر عندي صنيعته. وأمّا ما ذكر من تبكيتي بخطئي، فليس الخطأ بمأمون على بشر، وما أنا بغنيّ عن إيقاظ أمير المؤمنين إياي في عظيم ما حمّلني من ولايته، ولا بمكتف بما عندي دون إرشاده وتأديبه، وليت الله قد أظهر أمير المؤمنين على عدوّه، وأعطاه سؤله وبسط له يده وقوله وفعله، وخمدت نيران الفتن عنه، فيعرف نصيحتي له وقيامي بأمره، وينفذ عليّ فيما سرّني وساءني حكمه. وقد رأيت أمير المؤمنين قد حمل أكثر أموره على سوء الظن فيما يعامل به من ائتمنه عليها حتى لقد ظننت أنّه لم يبق أحد من أعوانه [179 أ] وعوامّ رعيته ألّا أوحشه ذلك منه، وخاف بادرته وسطوته، من مقارف ذنب وسليم قلب والسلام.