مع تناهي وصايا أهل الفضل من أهل بيته ما جمعه له، فقام بأمر الله داعيا، ذابّا عن دينه، ومحييا لحقّه، ومميتا للباطل وأشياعه، وقد اجتمعت له في ذلك خلال استحق بها الإمامة والطاعة من الأمة، وسنذكر حجّته في ذلك.
منها أنّه كان ابن عبد الله بن عبّاس عمّ النبي صلى الله عليه وسلّم، [75 أ] ووارثه لا ينكر ذلك من حقّه، ومنها أنّه كان في فضله وزهده ونزاهته وفقهه وورعه واجتماع خصال الخير فيه على أمر لم يكن على مثله أحد من أهل دهره، ومنها أنّه بدر إلى القيام بالحقّ والناس نوّم عنه، فدأب فيه، وشمّر في إقامته، ومنها ما تناهى من وصايا أهل بيته إليه، وإقرارهم بأنّه أولى بالأمر منهم، وأحقّ بالتقدّم عليهم، وأنّ الأمر فيه وفي ولده بما استوعبوا من العلم بذلك، وأمروا به من دفع الوصيّة إليه. وكان محمد على ما وصفنا من حاله مقيما على بيان من أمره، غير داخل في شبهة، ولا مبادر إلى فرقة، ولا منازع في فتنة، قد كتم سرّه، وأخفى أمره، يترقّب الوقت الّذي أمر فيه ببث [1] دعوته، فإنّه بلغنا أنّه لم يظهر منه قول يدلّ على ما كان ينطوي عليه من أمره حتى لقيه جار له من بني عذره. زعم المهلهل بن صفوان قال: سمعت محمد بن علي يقول لبكير بن ماهان: احفظوا ألسنتكم، فو الله لولا ما حضر من وقتكم ما نطقت بحرف من أمركم، وإنّي لمطرق على أمري مع معرفة منّي بتمام دعوتكم منذ دهر طويل ما ذكرت منها شيئا يستدلّ به على ما عندي حتى لقيني جار لي من بني عذرة، فقال [2] : يا أبا عبد الله، لقد رأيت البارحة [75 ب] رؤيا فيك معجبة. فقلت: ما هي؟
فقال: رأيت كأنّ شهبا خرجت من فيك فأضاءت لها الدنيا، فانتبهت [1] في الأصل: «يبث» . [2] في الأصل: «فقلت» .