الهجرة، ثم في عهد العباسيين، وانتشار البحث العقلي الفلسفي بين الباحثين
من المسلمين من جهة أخرى ثانية.. وظهور التصوف مقارنا لانتشار البحث الفلسفي
وتمايل الناس إلى نيل المعارف الدينية من طريق المجاهدة والرياضة النفسانية دون
البحث اللفظي والعقلي من جهة أخرى ثالثة.. وبقاء جمع من الناس وهم أهل الحديث على
التعبد المحض بالظواهر الدينية من غير بحث إلا عن اللفظ بجهاتها الأدبية من جهة
أخرى رابعة)[1]
ثم ذكر الآثار السلبية لكل ذلك على فهم القرآن الكريم وتفسيره، فقال: (اختلف
الباحثون في التفسير في مسالكهم بعد ما عمل فيهم الانشعاب في المذاهب ما عمل، ولم
يبق بينهم جامع في الرأي والنظر إلا لفظ لا إله إلا الله ومحمد رسول الله a واختلفوا في معنى الأسماء والصفات
والأفعال والسماوات وما فيها والأرض وما عليها والقضاء والقدر والجبر والتفويض
والثواب والعقاب وفي الموت وفي البرزخ والبعث والجنة والنار، وبالجملة في جميع ما
تمسه الحقائق والمعارف الدينية ولو بعض المس، فتفرقوا في طريق البحث عن معاني
الآيات، وكل يتحفظ على متن ما اتخذه من المذهب والطريقة)[2]
ثم ذكر أصناف التفاسير التي ظهرت بعد ذلك، مبينا الدخن الذي علق بها،
وأولها تفاسير المحدثين، التي وصفها بقوله: (أما المحدثون، فاقتصروا على التفسير
بالرواية عن السلف من الصحابة والتابعين فساروا وجدوا في السير حيث ما يسير بهم
المأثور ووقفوا فيما لم يؤثر فيه شيء ولم يظهر المعنى ظهورا لا يحتاج إلى البحث.. وقد
أخطأوا في ذلك فإن الله سبحانه لم يبطل حجة العقل في كتابه، وكيف يعقل ذلك وحجيته
إنما تثبت به! ولم يجعل حجية في أقوال الصحابة والتابعين وأنظارهم على اختلافها
الفاحش، ولم يدع إلى السفسطة