وله بحث مستوفى عن إعجاز القرآن، أتى على جوانبه ببيان كاف شاف على أسلوب
المتكلمين، وقد أورده في الباب الثامن عشر من كتابه (الخرائج والجرائح)[2] الذي خصّصه بذكر
المعجزات المرتبطة بالقرآن الكريم.
وقد قال مبينا أهمية القرآن الكريم وسر احتوائه على كثرة المعجزات الدالة
عليه: (اعلم أنّ كتاب اللّه المجيد ليس مصدقا لنبيّ الرحمة خاتم النّبيين فقط، بل
هو مصدّق لسائر الأنبياء والأوصياء قبله، وسائر الأوصياء بعده، جملة وتفصيلا.. وليس
جملة الكتاب معجزة واحدة، بل هي معجزات لا تحصى، لأنّ أقصر سورة فيه إنّما هي
الكوثر، وفيها إعجاز من جهتين: أحدهما: أنّه قد تضمّن خبرا عن الغيب قطعا قبل
وقوعه، فوقع كما أخبر عنه من غير خلف فيه، وهو قوله: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ
الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3] لما قال قائلهم: أنّ محمدا رجل أبتر فإذا مات انقطع
ذكره، ولا خلف له يبقى به ذكره، فعكس ذلك على قائله، وكان كذلك.. والثاني من طريق
نظمه، لأنّه على قلّة عدد حروفه، وقصر آية، يجمع نظما بديعا، وأمرا عجيبا، وبشارة
للرسول، وتعبّدا للعبادات، بأقرب لفظ وأوجز بيان، ثم إن السور الطوال متضمّنة
للإعجاز من وجوه كثيرة نظما وجزالة وخبرا عن الغيوب، فلذلك
[2]
الخرائج والجرائح: من الكتب التي تناولت إثبات معجزات النبي a، وتأتي أهميته في أن المؤلف استطاع التوفيق بين
المعجزات والدلائل والمسائل الكلامية الواردة عليها، وتأتي مكانته لاعتماد أصحاب
المؤلفات عليه في مؤلفاتهم من الفريقين الشيعة والسنة، في نقل الروايات والأحاديث
الواردة فيه.. وقد اعتمدنا في النقل عنه هنا من [بحار الأنوار (92/ 121)]، ذلك أن
العلامة المجلسي اقتبس الكثير من كلامه عند حديثه عن وجوه الإعجاز، وقد قدم لها
بقوله: (ولنذكر هنا ما أورده القطب الراوندي رحمه الله بطوله في كتاب الخرائج
والجرائح في هذا المعنى، فانه كاف في هذا الباب، ومقنع في دفع الشبه الموردة على
ذلك في كل باب)