وللأسف، فإن
الممجدين لهارون، لا ينظرون إلى المعاني التي ذكرها الرجل الصالح في وعظه لهارون، وإنما
يلتفتون إلى بكائه، وهم لا يعلمون أن ذلك البكاء كان في أحسن أحواله مجرد حركة
عاطفية عابرة ولم يكن لها أي أثر في حياته.
وهكذا روي أن
أنه أرسل لبعض العلماء كيسا من المال، فقال لمن أوصله له: (أقرئ أمير المؤمنين
السلام وقل: قد وقعت مني بحيث يحب أمير المؤمنين وأنا عنها مستغن، وفي رعية أمير
المؤمنين من هو أحوج إليها مني، فإن رأى أمير المؤمنين أن يصرفها إلى من أحب)[2]
هذه مجرد نماذج
محدودة عن مدى تلاعب هارون بمال الأمة، مثله مثل سائر الملوك الذين نسميهم خلفاء،
وهي كافية واحدة لإدراجه ضمن السفهاء، لكن الدين البشري الذي صاغه الملوك ومن
أيدهم من العلماء حول كل ذلك السفه إلى رشد، وبمعايير بشرية تماما لا علاقة لها
بدين الله؛ فدين الله أسمى من أن يؤيد ظالما أو متلاعبا بالمال العام في نفس الوقت
الذي يدين فيه من يصرف دينارا واحدا في غير محله.
3 ـ
هارون.. والصراع مع الصالحين:
من العجائب التي
لا يمكن تفسيرها قدرة الكثير من العقول، وخاصة عقول الملتزمين المتدينين، من أصحاب
الورع البارد، ذلك الجمع العجيب بين المتناقضات، والتي ينص المنطق أنه لا يمكن أن
تجتمع معا، أو تتفرق معا، لكنها للأسف تجتمع عند تلك العقول
[1]
طبقات الفقهاء الشافعية، عثمان بن عبد الرحمن، أبو عمرو، تقي الدين المعروف بابن
الصلاح، المحقق: محيي الدين علي نجيب، دار البشائر الإسلامية – بيروت،
الطبعة: الأولى، 1992م (1/ 134)
[2]
الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي، أبو الفرج المعافى بن زكريا بن يحيى
الجريرى النهرواني، المحقق: عبد الكريم سامي الجندي، دار الكتب العلمية، بيروت -
لبنان، الطبعة: الأولى 1426 ه - 2005 م، (ص: 116)
نام کتاب : صفحات من أسفار المجد المزيف نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 62