نام کتاب : صفحات من أسفار المجد المزيف نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 164
ثم وصف بعض ما حصل في ذلك
التاريخ الأندلسي الطويل المملوء بالصراع والفتن، فقال: (إنه لمنظر مروع مؤس معاً،
ذلك الذي تقدمه إلينا الأندلس في تلك الفترة العصيبة من تاريخها، منظر القواعد
والمدن الأندلسية، التي كانت من قبل تلتئم في عقد منتظم واسطته مدينة قرطبة
العظيمة، وتسطع في ظل حكومة الخلافة القوية، وتلتف حول عرش الخلفاء المؤثل، وهي
تغدو حبات متفرقة منفردة حائرة، تقوم في كل منها حكومة محلية هزيلة، على رأسها
متغلب من أهل العصبية أو الرياسة، يسيطر على أقدارها لحساب نفسه. ثم هي بعد ذلك
كله، تخوض غمار سلسلة لا نهاية لها من الفتن والحروب الأهلية الصغيرة، وتنسى في خلال
هذه الفترة الخطيرة المؤسية من حياتها أو تتناسى، قضية الأندلس الكبرى، قضية
الحياة والموت، أو بعبارة أخرى قضية الصراع ضد العدو الخالد، أعني اسبانيا
النصرانية) [1]
وللأسف؛ فإن الذين يدافعون عما
يسمونه فتح الأندلس، أو يتباكون على فقدها، يقتطعون من فيلم الأندلس المرعب كل
الأجزاء التي لا تحلو لهم، ويختارون فقط ما يشتهون من لقطات، مع أن المتأمل في تلك
الأجزاء نفسها يرى أنها لم تكن سوى مقدمة وتحضير للبلاء الذي يستدرج الله به
عباده، كما قال تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي
لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا
وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران: 178]
وقد أشار محمد عبد الله عنان إلى
هذا، حين ذكر أن فترة القوة في الأندلس لم تكن إلا مقدمة لفترات الفتن الكثيرة
فيها، فقال: (بيد أن انتثار شمل الأندلس على هذا النحو لم يكن سوى نتيجة طبيعية
للعوامل السياسية والاجتماعية التي توالت في الحقبة السابقة، بل نستطيع أن نرجع
هذه العوامل إلى بداية قيام الدولة الأموية ذاتها، أعني إلى عهد عبد الرحمن