وأهم تلك
الظواهر، والتي لها ارتباط مباشر بالسير والمغازي، ظاهرتي القصص والوضع.
1 ـ المجزرة.. وظاهرة القصص:
رأينا سابقا بعض
المشاهد التي رسمها الرواة لبطولات بني قريظة، وهم يتقدمون للموت برباطة جأش حرصا
على دينهم وقيمهم، في نفس الوقت الذي رأينا تلك الإساءات لرسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم.. وكل ذلك كان ثمرة لتشجيع البغاة للقصاصين، الذين
يحبون أن يفيضوا في أحاديثهم، ويبالغوا فيها، ولا تحلوا أحاديثهم إلا بالكذب.
وقد اتفق جميع
المؤرخين على انتشار ظاهرة القصص في ذلك العصر، وبتشجيع من السلطات الحاكمة نفسها،
بل كان القصاصون أمثال كعب الأحبار ووهب بن منبه من المقربين لدى السلطات الحاكمة،
وأتيحت لهم الكثير من المنابر، لينشروا من خلالها أساطيرهم التي يختلقونها، أو
يأخذونها من كتبهم أو ثقافتهم الشعبية ليفسروا بها القرآن الكريم، أو يشرحوا بها
جميع مسائل الدين وقضاياه.
ومن الأمثلة على
انتشار القصص في ذلك العهد، واختلاطها بالكذب، وعلاقتها بالسلطات الحاكمة مع روي
عن الشعبي أنه قال: بينما عبد الملك جالس وعنده وجوه الناس من أهل الشام، قال لهم:
من أعلم أهل العراق؟ قالوا: ما نعلم أحدا أعلم من عامر الشعبي؛ فأمر بالكتاب إلي؛
فخرجت إليه حتى نزلت تدمر. فوافقت يوم جمعة، فدخلت أصلي في المسجد، فإذا إلى جانبي
شيخ عظيم اللحية قط أطاف به قوم من أهل المسجد، وهم يكتبون عنه، فحدثهم قال: حدثني
فلان عن فلان يبلغ به النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم: (إن
الله تعالى خلق صورين، له في كل صور نفختان: نفخة الصعق ونفخة القيامة)، قال
الشعبي: فلم أضبط نفسي أن خففت صلاتي، ثم انصرفت فقلت: يا شيخ! اتق الله ولا تحدثن
بالخطأ. إن الله تعالى لم يخلق إلا صورا واحدا. وإنما هي نفختان: نفخة الصعق ونفخة
القيامة. فقال لي: يا فاجر إنما يحدثني