ويتمثل في
الروايات التي تدل على أنهم لم يقصدوا الخيانة، ولم يكونوا راغبين فيها، وإنما
الذي فعل ذلك أحدهم، وهو كعب بن أسد القرظي، مع أنه ـ كما تذكر الرواية التي رواها
ابن إسحق وغيره ـ لم يكن راغبا فيها، وكان حريصا على البقاء على العهد، لولا تأثير
حيي بن أخطب النضري فيه.
وسنسوق الرواية
كما رواها ابن إسحق، ثم نبين مواضع التهمة فيها، فقد قال: (وخرج عدو الله حيي بن
أخطب النضري، حتى أتى كعب بن أسد القرظي، صاحب عقد بني قريظة وعهدهم، وكان قد وادع
رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم على قومه، وعاقده على ذلك وعاهده، فلما سمع
كعب بحيي بن أخطب أغلق دونه باب حصنه، فاستأذن عليه، فأبى أن يفتح له، فناداه حيي:
ويحك يا كعب! افتح لي، قال: ويحك يا حيي: إنك امرؤ مشئوم، وإني قد عاهدت محمدا،
فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا، قال ويحك افتح لي أكلمك،
قال: ما أنا بفاعل، قال: والله إن أغلقت دوني إلا عن جشيشتك[1]أن
آكل معك منها، فاحفظ الرجل، ففتح له، فقال: ويحك يا كعب، جئتك بعز الدهر وببحر طام،
جئتك بقريش على قادتها وسادتها، حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة، وبغطفان على
قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى إلى جانب أحد، قد عاهدوني وعاقدوني على أن
لا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه. قال: فقال له كعب: جئتني والله بذل الدهر، وبجهام
قد هراق ماءه، فهو يرعد ويبرق، ليس فيه شيء، ويحك يا حيي! فدعني وما أنا عليه،
فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء. فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب،
حتى سمح له، على أن أعطاه عهدا (من الله) وميثاقا: لئن رجعت قريش وغطفان، ولم
يصيبوا محمدا أن أدخل
[1] الجشيشة: طعام يصنع من الجشيش،
وهو البر يطحن غليظا، وهو الذي تقول له العامة:(دشيش)