وهاتان الرويتان كافيتان لهدم كل ما روي
حول بني قريظة، ذلك أن من القوانين الشرعية المرتبطة بالجزاء، تساوي الناس فيه، فلا
يحق للعادل أن يعاقب قوما في الوقت الذي يعفو فيه عن آخرين ارتكبوا نفس الجرم، بل
ربما أقل منه.
ولهذا نرى رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم
عندما عفا عن قريش عفا عنها جميعا، فقال a: (يا معشر قريش ما ترون أني
فاعل بكم؟) قالوا: (خيرا أخ كريم وابن أخ كريم)، فقال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)[1]، وفي رواية قال: (أقول
كما قال أخي يوسف A: ﴿ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ﴾ [يوسف: 92])
وهكذا عندما عفا عن بني قينقاع أو بني
النضير، وتركهم يخرجون سالمين، بل بصحبة أموالهم، تركهم جميعا.
وما روي من تينك
الروايتين وغيرهما يصطدم مع ما ورد من النصوص في تحريم الشفاعة في حدود الله، وكيف
يتجرأ رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم على ذلك، وهو نفسه الذي غضب عندما طلبت منه
قريش أن يعفو عن المخزومية؛ فقال لهم: (يا أيها الناس، إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه،
وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع
محمد يدها)[2]
بالإضافة إلى ذلك، فقد ورد في النصوص ما
يدل على عرض الإسلام لكل من استحق القتل، ولا نرى ذلك في الروايات المرتبطة ببني
قريظة، بل نراهم يذكرون أنهم عرضوا على السيف كما تعرض الشياه.
رابعا ـ المجزرة.. ورحمة الشريعة
[1] ) رواه النسائي في الكبرى في
التفسير كما في تحفة الأشراف 10/ 134، ورواه البيهقي في الدلائل 5/ 58..