ونحن نطالب
الذين يذكرون هذه الرواية، ويقرون بها، ويذكرون معها الروايات المرتبطة ببني
قريظة، بأن يتخلوا عن ذاتيتهم، ويكونون صادقين مع أنفسهم، وليفرضوا أن هذه الحادثة
لم تحدث في ذلك الزمن، وإنما حدثت في زمننا؛ فهل يمكن اعتبار القاضي أو الحاكم
عادلا حين يبيد قرية كاملة بسبب جريمة من الجرائم.. ثم يعفو عن قرية أخرى ارتكبت
نفس الجريمة، أو ما هو أكثر منها، لكون بعض الناس توسطوا في ذلك؟
2 ـ العقوبات وأئمة الكفر:
من القواعد الشرعية التي لا خلاف فيها،
ارتباط العقوبات بمرتكبي الجرائم لا غيرهم، وقد نص عليها القرآن الكريم بصيغ
مختلفة، بل اعتبرها من القيم المتفق عليها في جميع الأديان، كما قال تعالى: ﴿
أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى
(37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ
إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ
الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)﴾ (النجم)
وهو إخبار عن سنة الله التي لا تحتمل
التغيير ولا التبديل، وكل ما يتوهم أنه شذوذ عنها؛ فسببه اختلاط المفاهيم أو تدخل
الأهواء، ولهذا ينص القرآن الكريم على الخلق في الدنيا والآخرة لا يجازون إلا بحسب
أعمالهم خيرا كانت أو شرا، كما قال تعالى: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ
الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ (صّ:28)، وفي آية أخرى يستفهم مستنكرا: ﴿أَفَنَجْعَلُ
الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾ (القلم:35)
[1] سبل الهدى والرشاد في سيرة خير
العباد (4/ 179).