نام کتاب : معارف النفس الراضية نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 332
من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالفقر ولو أغنيته لكفر، وإن من عبادي
من لا يصلح إيمانه إلا بالسقم ولو أصححته لكفر، وإن من عبادي من لا يصلح إلا
بالصحة ولو أسقمته لكفر)([376])
وهذه الحكمة الإلهية ـ كما تستند للعلم والخبرة الإلهية ـ تستند كذلك
للعدالة والرحمة الإلهية، ذلك أنه يستحيل أن تتناقض مقتضيات أسماء الله الحسنى،
وكيف تتناقض، وهي جميعا من ذات واحدة، أو صفات ذات واحدة.
أما استنادها للرحمة الإلهية؛ فيعود إلى أن الله تعالى ـ رحمة بعباده ـ
يختار منهم من يكون أهلا لتربيتهم وتهذيبهم وتزكيتهم، حتى يصلحوا للجزاء العظيم
المعد لهم، كما قال تعالى لآدم عليه السلام بعد خروجه من الجنة: ﴿اهْبِطُوا
مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ
فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا
وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾
[البقرة: 38، 39]، وقال له: ﴿اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ
لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ
فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ
مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 123،
124]
وهكذا قال لذريته من بعده: ﴿يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا
يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى
وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (الأعراف:35)
أما عدم اصطفاء الله تعالى الجميع لهذه الوظائف؛ فيعود لعلم الله تعالى
بهم، وبقدراتهم، وكونهم لا يطيقون مثل تلك التكاليف العظيمة التي لا يطيقها إلا
المكلفون بها، ولذلك كان عدم تكليفهم رحمة بهم، لأنهم لو كلفوا وسقطوا في
الاختبار، لكان ذلك ضارا بهم.
ذلك أن الاصطفاء لا يعني انعدام التكليف، ولا كون المصطفى غير مخير في
أفعاله،