وقد ورد في الحديث أن رسول الله a بعث سريّة إلى خثعم، فاعتصم ناس منهم بالسّجود فأسرع فيهم القتل،
فبلغ ذلك النّبيّ a فقال: (أنا بريء من كلّ مسلم يقيم بين أظهر المشركين) ([319])
وهكذا لو تتبعت ـ أيها المريد الصادق ـ سير الرسل عليهم السلام الواردة
في القرآن الكريم تجد أنهم مع ما أتاح الله لهم من الكرامات والمعجزات، إلا أنهم لم
يستخدموا تلك الصلاحيات في مواجهة أعدائهم، أو فيما يتعرضون له من البلاء، بل
مارسوا أدوارهم الرسالية بجهودهم البشرية، ولم يدخلوا أي قوة غيبية فيها، حتى
يكونوا أسوة لغيرهم.
فرسول الله a الذي أسرى الله به إلى بيت المقدس في لحظات معدودات، وعرج به إلى السموات
العلا في ليلة واحدة، لم يستعمل البراق، ولا أي وسيلة غيبية عندما هاجر إلى المدينة
المنورة، بل هاجر إليها كسائر الناس، وتلقى من العناء ما تلقى حتى يكون أسوة لغيره
من الدعاة.
وهكذا كان يقاوم هجمات
أعدائه بما أتيح له من سلاح، ومن عدد قليل، وعدة قليلة، ولم يستعمل الوسائل
الغيبية المتاحة له، إلا إذا أراد الله ذلك، ولذلك حصل نوع من الهزيمة يوم أحد،
واستشهد عمه حمزة، وكان في الإمكان ألا يحصل ذلك كله لو أن رسول الله a استخدم ما أتيح له من ولاية تكوينية، ومن دعاء مستجاب، لكنه لم
يفعل، لأن الله تعالى جعله أسوة للأمة، بل للبشر جميعا.
ولهذا كله ورد في الحديث عدم استجابة الله تعالى لدعاء من قدر على أن
يخرج من