ثم بين أن المنكر لهذا
منكر للطبع والفطرة السليمة التي فطر الله عليها الأنفس، والتي تميل إلى الغناء
جبليا من غير تكلف، ولهذا فإن من ينكر هذا يسميه (البليد الجامد القاسي القلب
المحروم عن لذة السماع) ذلك أنه (يتعجب من التذاذ المستمع ووجده واضطراب حاله
وتغير لونه تعجب البهيمة من لذة اللوزينج، وتعجب الصبي من لذة الرياسة واتساع
أسباب الجاه، وتعجب الجاهل من لذة معرفة الله تعالى ومعرفة جلاله وعظمته وعجائب
صنعه) ([1281])
ثم بين علة هذه البلادة،
فقال: (ولكل ذلك سبب واحد، وهو أن اللذة نوع إدراك، والإدراك يستدعي مدركا،
ويستدعي قوة مدركة، فمن لم تكمل قوة إدراكه لم يتصور منه التلذذ، فكيف يدري لذة
الطعوم من فقد الذوق، وكيف يدرك لذة الألحان من فقد السمع، ولذة المعقولات من فقد
العقل، وكذلك ذوق السماع) ([1282])
أما
ما ذكرت ـ أيها المريد الصادق ـ من التأثر الذي يقع للسامعين، وتمايل بعضهم نتيجة
لذلك؛ فلا حرج فيه ما دام تلقائيا وغير متكلف، وقد ذكر القرآن الكريم أن التأثر
يحدث أحوالا في الجسد، لا يستطيع الفكاك منها، قال تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ
أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى
ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر: 23]
وقد
قال بعضهم يذكر سر ذلك: (وكل حركة في العالم العلوي أو السفلي فأصلها