ولهذا،
فإن المتوسمين من عباد الله يستدلون بوجود الفاقات على قرب الصدقات، لأن الفاقة
تحقق صاحبها بالافتقار والاضطرار، وهما يؤهلان صاحبهما لكل ألوان الفضل الإلهي.
ولهذا
يعتبرون أفعال الله تعالى فيهم وفي غيرهم رسائل رحمة ومودة.. ولا يفهمون من تلك
البلايا التي تصيبهم إلا أنها حروف من الله تشهدهم وجود فاقتهم، وتشعرهم بحقيقتهم،
لتشغلهم بالله عن أنفسهم.
لقد
أشار بعضهم إلى هذا فقال: (خير أوقاتك وقت تشهد فيه وجود فاقتك، وترد فيه إلى وجود
ذِلتك)
وأشار
إليه في حكمة أخرى بقوله: (فاقتك لك ذاتية، وورود الأسباب مذكرات لك بما خفي عليك
منها، والفاقة الذاتية لا ترفعها العوارض)
وأشار
آخر إلى ذلك، فقال ـ متحدثا عن حكم الأمراض والمصائب ـ: (دار الدنيا هذه ما هي إلّا ميدانُ
اختبار وابتلاء، وهي دارُ عمل ومحل عبادة، وليست محلَّ تمتّع وتلذذ ولا مكان تسلّم
الأجرة ونيل الثواب.. فمادامت الدنيا دارَ عمل ومحلَّ عبادة، فالأمراضُ والمصائب
عدا الدينية منها وبشرط الصبر عليها تكون ملائمةً جداً مع ذلك العمل، بل منسجمةً
تماماً مع تلك العبادة، حيث إنها تمد العملَ بقوة وتشدّ من أزر العبادة، فلا يجوز
التشكّي منها، بل يجب التحلي بالشكر لله بها، حيث إن تلك الأمراضَ والنوائب تحوّل
كلَّ
نام کتاب : مدارس النفس اللوامة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 190