نام کتاب : إيران دين وحضارة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 426
اجتذبتهم، أو
كما عبر ابن خلدون نفسه عن ذلك؛ فقال: (وأمّا العرب الّذين أدركوا هذه الحضارة وسوقها وخرجوا إليها عن البداوة
فشغلتهم الرّئاسة في الدّولة العبّاسيّة وما دفعوا إليه من القيام بالملك عن
القيام بالعلم، والنظر فيه، فإنّهم كانوا أهل الدّولة وحاميتها وأولي سياستها مع
ما يلحقهم من الأنفة عن انتحال العلم حينئذ بما صار من جملة الصّنائع. والرّؤساء
أبدا يستنكفون عن الصّنائع والمهن وما يجرّ إليها ودفعوا ذلك إلى من قام به من
العجم والمولّدين. وما زالوا يرون لهم حقّ القيام به فإنّه دينهم وعلومهم ولا
يحتقرون حملتها كلّ الاحتقار. حتّى إذا خرج الأمر من العرب جملة وصار للعجم صارت
العلوم الشّرعيّة غريبة النّسبة عند أهل الملك بما هم عليه من البعد عن نسبتها
وأمتهن حملتها بما يرون أنّهم بعداء عنهم مشتغلين بما لا يغني ولا يجدي عنهم في
الملك والسّياسة كما ذكرناه في نقل المراتب الدّينيّة. فهذا الّذي قرّرناه هو
السّبب في أنّ حملة الشّريعة أو عامّتهم من العجم)[1]
وهكذا الأمر مع
العلوم والعقلية والكونية، فهي كما ينص ابن خلدون كان النصيب الأوفر فيها للعجم،
يقول في ذلك: (وأمّا العلوم العقليّة أيضا فلم تظهر في الملّة إلّا بعد أن تميّز
حملة العلم ومؤلّفوه، واستقرّ العلم كلّه صناعة فاختصّت بالعجم وتركتها العرب
وانصرفوا عن انتحالها فلم يحملها إلّا المعرّبون من العجم شأن الصّنائع كما قلناه
أوّلا. فلم يزل ذلك في الأمصار الإسلاميّة ما دامت الحضارة في العجم وبلادهم من
العراق وخراسان وما وراء النّهر. فلمّا خربت تلك الأمصار وذهبت منها الحضارة الّتي
هي سرّ الله في حصول العلم والصّنائع ذهب العلم من العجم جملة لما شملهم من
البداوة واختصّ العلم بالأمصار الموفورة الحضارة. ولا أوفر اليوم في الحضارة من
مصر فهي أمّ العالم وإيوان الإسلام