فلم يحتج رسول الله a ليلقي
هذه الموعظة لوضع الزرابي والجلوس على المنبر وحضور الجم الغفير، بل وجهها وهو
راكب في طريقه بكل تلقائية وبساطة، فكان له كل ذلك التأثير[2].
أما أسلوب الموعظة، فيحبذ أن يكون بسيطا متناسبا مع من
تتوجه إليه الموعظة، وقد كانت مواعظ النبي a بليغة
غير متكلفة، فقد جاء في حديث العرباض :(وعظنا رسول الله a موعظة
بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب..)[3]
وليس المراد بكونها بليغة ما يتصوره البعض من كثرة
محسناتها البديعية وسجعها وغريب ألفاظها، وإنما المراد منها قدرتها على التوصل إلى
إفهام المعاني المقصودة، وإيصالها إلى قلوب السامعين بأحسن صورة من الألفاظ الدالة
عليها، وأفصحها وأحلاها للأسماع، وأوقعها في القلوب.
أما التكلف الممقوت فقد ورد النهي عنه، فعن جابر أن
رسول الله a قال:(إن من أحبكم إليّ وأقربكم مجلساً مني
يوم القيامة: أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إليّ، وأبعدكم مني يوم القيامة
الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيهقون)[4]
[1]
رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، وفي رواية غير الترمذي :« احفظ الله تجده أمامك،
تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما
أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر
يسرا ».
[2]
قال ابن رجب :« وهذا الحديث يتضمن وصايا عظيمة وقواعد كلية من أهم أمور الدين حتى
قال بعض العلماء :« تدبرت هذا الحديث فأدهشني وكدت أطيش فواأسفا من الجهل بهذا
الحديث وقلة التفهم لمعناه »، قال ابن رجب :« وقد أفردت لشرحه جزء كبيرا »، وسنعرض
لما يتعلق منه بالتربية في محله من هذا الجزء.
[3]
رواه أبو داود والترمذي وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح.