نام کتاب : أحكام الطلاق والفسخ وآثارهما نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 54
ولعل أحسن من
استدل لهذه القاعدة، وانتصر لها في واقع كان يموج بالتعصب للمذاهب المختلفة هو
الإمام أبو حامد الغزالي، وسنذكر هنا أدلته على هذه القاعدة، وإجابته عن الشبه
التي أثارها المخالفون، وهي عين الشبه التي ينطلق منها من يفتي جميع الناس بقول
واحد، ويداوي أمراضهم جميعا بعلاج واحد، فيشفي قوما، ويقتل أقواما.
قال الغزالي بعد ذكره للخلاف في المسألة:(والمختار
عندنا وهو الذي نقطع به ونخطئ المخالف فيه أن كل مجتهد في الظنيات مصيب وأنها ليس
فيها حكم معين لله تعالى)[1]، ثم ساق الأدلة على اعتبار هذه القاعدة، فقسم الأدلة التي يستدل بها
الفقهاء إلى نوعين من الأدلة:
النوع الأول: أدلة نصية قاطعة لا مجال
فيها للنظر، ولا يصح الخطأ فيها إلا مع عدم بلوغها، وهو ما إذا كان في المسألة نص
للشارع أخطأه المجتهد، قال الغزالي:(ينظر، فإن كان النص مما هو مقدور على بلوغه لو
طلبه المجتهد بطريقه فقصر ولم يطلب فهو مخطئ وآثم بسبب تقصيره؛ لأنه كلف الطلب
المقدور عليه فتركه فعصى وأثم وأخطأ حكم الله تعالى عليه) [2]
فالخطأ فيه هذه الحالة معتبر، ولا يصح
القول معها بأن كل مجتهد مصيب، لأن هناك مرجعا ينبغي أن يرجع إليه المجتهد، ولكنه
لم يفعل، أما إذا لم يبلغه النص لا لتقصير من جهته لكن لعائق من جهة بعد المسافة
وتأخير المبلغ والنص قبل أن يبلغه ليس حكما في حقه فهذا يختلف حكمه، قال الغزالي:(قد
يسمى مخطئا مجازا على معنى أنه أخطأ بلوغ ما لو بلغه لصار حكما في حقه، ولكنه قبل
البلوغ ليس حكما في حقه فليس مخطئا حقيقة؛ وذلك أنه لو صلى النبي a إلى بيت المقدس بعد أن أمر الله تعالى
جبريل