وهكذا استعمل الطغاة كل وسائلهم للقضاء على كل ثورة
وحركة تدعو إلى عودة القرآن للسلطان.. ولكن المغيبة عقولهم، لا زالوا حريصين على
السلطان، وعلى اعتبار الأمويين والعباسيين والعثمانيين وكل أصحاب الملك العضوض
حكاما شرعيين، يمثلون الرسالة الإلهية.
مع أن كبار العلماء الذين يعتبرونهم، كانوا مخالفين
لهم في ذلك، فقد ذكر المؤرخون أن الإمام أبا حنيفة بالعراق، والإمام مالك بالمدينة
كانا يؤيدان ثورة النفس الزكية وأخاه إبراهيم، وقد كان ذلك من أسباب المحن التي
حصلت لهما [2] .
وقد ذكر أبو زهرة المحنة التي تعرض لها أبو حنيفة
بسبب موقفه من تلك الثورة، فقال: (استقبل أبو حنيفة عهد العباسيين بارتياح، فقد
رأى اضطهاد الأمويين لبني علي بن أبي طالب وأهل بيت النبي محمد a، واستمر على ولائه للدولة العباسية لمحبته لآل البيت جميعاً، ولقد
كان الخليفة أبو جعفر المنصور يدنيه ويعليه ويرفع قدره ويعطيه العطايا الجزيلة،
ولكنه كان يردها ولا يقبل العطاء، ولم يُعرف عن أبي حنيفة أنه تكلم في حكم
العباسيين حتى نقم عليهم أبناء علي بن أبي طالب، واشتدت الخصومة بينهم، وقد كان
ولاء أبي حنيفة لبني علي، فكان طبيعياً أن يغضب لغضبهم، وخصوصاً أن من ثارا على
حكومة أبي جعفر هما محمد النفس الزكية بن عبد الله بن الحسن، وأخوه إبراهيم بن عبد
الله بن
[2]
قال في [الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (1/ 205)] نقلا عن ابن خلدون: ( ولهذا
كان مالك وأبو حنيفة رحمهما الله يحتجان له حين خرج بالحجاز ويريان أن إمامته أصح
من إمامة أبي جعفر المنصور لانعقاد هذه البيعة أولا وكان أبو حنيفة يقول بفضله
ويحتج لحقه فتأدت إلى الإمامين المحنة بسبب ذلك أيام أبي جعفر المنصور حتى ضرب
مالك رضي الله عنه على الفتيا في طلاق المكره وحبس أبو حنيفة رضي الله عنه على
القضاء)
نام کتاب : رسائل إلى القرابة المظلومة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 161