يا بني.. ربما تلومني لأني لم أحدثك من سنين طويلة،
بل من آماد ممتدة، وعهود عراها البلى..
لا تلمني يا
بني، فأنا لم أكن أتكلم كل تلك الفترة، لأني كنت متفرغا للسماع.. ولا يمكن لأحد أن
يجمع بين الكلام والسماع.
نعم يا بني..
فقد كنت أستمع للحياة، وهي تغني أغانيها المطربة أو المحزنة.. وكنت أستمع للأحياء
وهم يرقصون على نغماتها.. وقد تلقيت من تلك الرؤية وذلك السماع حكما كثيرة.. فلا
يمكن للحكيم أن يتلقى الحكمة إلا بعد أن يدمن الصمت، ويدمن معه الإصغاء، ويدمن
معهما الرؤية والاعتبار..
ومع ذلك، فلا
يمكن للحكيم أن يظل صامتا، فأعظم الظلم أن نحبس الحكمة بين زوايا أفواهنا
وصدورنا.. إننا بذلك نقيدها كما نقيد العصفور الذي خلقه الله حرا طليقا.. بل
نقيدها كما نقيد قطرات الغيث، لنحول بينها وبين أن تروي الأرض، وتروي معها ظمأ
الإنسان، وجوع الحياة.
بعد كل ذلك
الزمن الذي نضجت فيه الحكمة في كياني، وتغلغلت معانيها في وجداني أُذن لي أن
أحدثك، كما أذن لي أن أحدثك من قبل..
وسأحدثك عن
أشياء كثيرة.. منها بعض ما ذكرته لك من قبل.. ولكني أحتاج الآن إلى صياغة جديدة
له.. فلكل زمن أسلوبه في الوعظ، ولكل زمن موسيقاه التي يطرب لها السامعون..
وبما أنك الآن
ستنزل إلى زمن غير الذي كنت فيه، وستعيش مع ناس غير الذين كنت تعيش معهم.. فإني
أحتاج أن أؤهلك لهذه الحياة الجديدة.. فلا يمكن أن تعيش