العبودية لله ـ يا بني ـ هي أشرف مراتب الإنسانية..
فمن تحقق بها نال الكمال الإنساني.. ومن لم يتحقق بها، أو نفر منها، أو كان فيه
بعض النفور من مقتضياتها، حل فيه من النقص بقدر نفوره.. ثم تعذب بذلك النقص إلى أن
يتداركه، أو يبقى في العذاب أبد الآبدين.
هذه هي الحكمة
التي خلص إليها كل العقلاء المتذوقين للحقائق من منابعها التي لم تكدر، المستنيرين
بالسرج التي لا تنطفئ.. لقد رأوا ذلك رأي العين.. وكُشف لهم الحجاب عنها، فصارت من
الوضوح بحيث يكادون يرونها بأعينهم.
أما غيرهم ممن
لم يكشف لهم الحجاب، فيمكن أن يشرح لهم معناها بوسائل التقريب والإيضاح، ليعلموا
أن هذه الحقيقة ليست ذوقية ولا شهودية فقط، وإنما هي حقيقة عقلية أيضا.
والمبدأ الذي
تستند إليه مبدأ تستند إليه كل الموجودات.. فكلها عبد لله.. وكلها لا تنال
حقيقتها، ولا سعادتها، ولا سلامها من دون عبوديتها لله، كما قال تعالى: {ثُمَّ
اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا
طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11]
فالعبودية هي
تلك الأرض المعبدة الطيبة التي يتنزل عليها الفضل الإلهي المتناسب معها.. فإن كانت
الأرض صخورا صماء، أو رمال قاحلة، أو مستنقعات أسنة.. لم تكن أهلا لاستقبال الفضل
الإلهي.. بل كانت أهلا لاستقبال الجوع والعطش والحشرات السامة.
أما من كانت أرض
قلبه كلها معبدة مهيأة صالحة التربة.. فإن كل قطرة مطر